HTML مخصص
إنتقال مريم المغبوط (٢)


... "تذكّروا كل شيءٍ: أعمال إبني وأقواله. تذكّروا أمثاله العذبة. عيشوها، أي ضعوها موضع التطبيق. واكتبوا منها لتبقى للذين سيأتون حتى نهاية الدهور، وتكون دوماً مرشداً لذوي الإرادة الصالحة لنيل الحياة والمجد الأبدي.

لن تستطيعوا بالتأكيد ترداد كلّ الكلمات المُضيئة لكلمة الحياة والحق الأبدية. إنما اكتبوا منها مقدار ما تستطيعون أن تكتبوا منها.


....حين ستلبث وحيداً، أنقِذ هذا الصندوق...."


يوحنا يشحب ويضطرب أكثر بعد مما فعل، حين قالت له مريم انها كانت تشعر بأن مهمتها تمت. يُقاطعها وهو يصيح ويسألها:

"يا أمي، لما تتكلّمين هكذا؟ أتشعرين بسوء؟"


"لا ."


"أتريدين مُفارقتي إذاً؟"


"لا .سأكون معك طالما سأكون على الأرض. إنما استعد، يا يوحنّاي، لتكون وحيداً."


"إذاً تشعرين بسوءٍ وتريدين إخفاءه عني!...."


"لا، صدّق ذلك. لم أشعر ابداً بأنني في قوةٍ، في سلامٍ، في فرحٍ كما الآن. إنما فيّ ابتهاجٌ إلى حدّ، فيضُ حياة ٍ فائقة الطبيعة إلى حدّ أنني.... نعم ، أنني أشعر بعدم تمكُّني من احتماله بمواصلة الحياة. خالدةٌ هي روحي. الجسد، لا. إنه عرضة للموت كما كلّ جسد بشريّ."


"لا! لا! لا تقولي ذلك. لا تستطيعين، يجب ألّا تموتي! إن جسدكِ البلا دنس لا يمكنه أن يموت كما جسد الخطأة!"


"أنت مُخطئ، يا يوحنا. إبني مات! أنا أيضاً سأموت، لن أعرف المرض، النزاع، تشنُّج الموت. إنما بالنسبة ِالى الموت، سأموت. فضلاً عن ذلك إعلم، يا بنيّ، أنني إذا امتلكت رغبة خاصة، كاملة وخاصة فقط، ومُستمرّة منذ فارقني هو، فهي بالضبط هذه. إنها رغبتي الأولى، القوية الخاصة بي تماماً. أستطيع حتى أن اقول: إرادتي الوحيدة"....

"مغادرة ُ الأرض الى السماء، لأكون معه أبدياً ومن دون توقف! رغبتي لأعوام كثيرة! والآن أشعر بانها على وشك أن تصبح واقعاً. لا تضطرب هكذا يا يوحنا. أنصت بالأحرى الى رغباتي الأخيرة.

حين سيُمدّد جسدي في سلامٍ، وقد فقد مذاك نفسه الحيوية، لا تخضعني للتحنيط المعتاد لدى العبرانيين. مذاك ما عدت عبرانية، بل مسيحية، المسيحية الأولى، إذا فكّرنا بذلك جيداً، لأنني كنت تلميذته الأولى، لأنني كنت معه شريكةً في الفداء ومُكلِّمته  هنا، بينكم، أنتم تلاميذه.

ما من حيٍّ رأى جسدي، باستثناء أبي وأمي ، والذين حضروا ولادتي.

تدعوني غالباً "التابوت الذي حوى الكلمة الإلهية" . الآن تعلم أن التابوت لا يمكن أن يراه سوى الكاهن الأعظم..... لا تلمسني إذاً. فوق ذلك، أنت ترى؟ لقد تطهّرت ولبست الثوب النظيف، ثوب العرس الأبدي ......."


"أدرك أن الطقوس العبرانية لم تعد تفيد بالنسبة اليكِ انت، المسيحية، وبالنسبة اليكِ انت، الكليّة الطهارة، التي، أنا مُتأكّد من ذلك، لن تعرف فساد الجسد. إن جسدك المؤلّه كما ما من جسدٍ فانٍ آخر ، ولأنك ِعُصِمتِ من الخطيئة الأصلية، وأكثر بعد لأنك، عدا امتلاء النعمة، احتويتِ فيك النعمة نفسها، الكلمة، لذا أنت الذخيرة الأحق  له، لا يمكنه أن يعرف الإنحلالَ، فسادَ كلّ جسدٍ ميت .

سيكون ذلك آخرَ مُعجِزة لله عليك، فيك. سوف تُحفظين كما أنتِ...."

  

(الانجيل كما كشف لي -١٠- فالتورتا)

                                                             (يتبع)

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.