HTML مخصص
16 Jan
16Jan

وُلد هذا القدّيس العظيم في مدينة كوما في صعيد مصر نحو السنة ٢٥١.

وقد كتب سيرته القدّيس أتناسيوس بطريرك الإسكندريّة معاصره، قال: وُلد أنطونيوس في مصر من أبوين مسيحيَّين تقيَّين.

توفيّ والداه تاركَين له أختاً دونه سِنّاً، فكان لها الأخ الشفيق المحبّ.

سمع يوماً كلام الإنجيل المقدّس :

"إن كنت تريد أن تكون كاملاً فإذهب وبِعْ كل شيء لك واعطيه للمساكين فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني"
( متى ١٩: ٢١).

فكان لهذه الآية وقعُها العميق في قلبه، فمضى فباع ما يملك، تاركاً لشقيقته نصيبها، ووزَّع ما خصَّه على الكنائس والفقراء.

وإعتزل الدنيا.

وأخذ يزور النسّاك، صارفاً أكثر أوقاته بالصلاة والتأمّل ومطالعة الأسفار المقدّسة.

فحسده الشيطان وأخذ يجرِّبه.

أمَّا أنطونيوس فكان ينتصر على هذه التجارب بالصوم والصلاة والتأمّل.

ولم يكن يقتات بسوى الخبز والملح وقليل من الماء.

وبالرغم من إنتصاراته على التجارب، لم يكن الشيطان لينفكَّ عن منازلته.

وإنفرد في الصحراء ودخل قبراً قديماً أقام فيه أشهراً.

وما زال الشيطان يهاجمه بصور حيوانية مرعبة، لكنه كان يقاومها بمعونة الله.

وفي هذا العراك الهائل أشرق في ذلك الكهف نورٌ سماوي وظهر الرب يسوع.

فصرخ أنطونيوس :

"أين كنت يا سيدي؟"

فأجابه الرب :

"كنتُ هنا، يا أنطونيوس، أشاهد جهادك".

ثمّ توغلّ في صميم الصحراء، وإستأنف حياة التأمّل ومناجاة الخالق مدة عشرين سنة، إلى أن عرف الناس بمقرّه فأخذوا يأتونه من كل صوب.

وطلب الكثيرون منهم أن يقبلهم في عداد تلاميذه، فأجاب طلبهم ونزل معهم إلى ضفاف النيل، حيث أنشأ لهم ديورة عديدة.

وكثُر عدد الرهبان جداً وإنتشر عبير الفضائل المسيحيّة في تلك البراري.

وكان أنطونيوس يزور الأديار ويثبِّت الرهبان في دعوتهم.

ومن أقواله المأثورة :

"يا بني لا تهمل ذكر الأبديّة؛ قُل لنفسك في كل صباح إنك ربما لا تعيش إلى المساء، وعند المساء أنك ربما لا ترى نور النهار.

قاوم التجربة بشجاعة، إنّ الشيطان ضعيف أمام الصوم والصلاة وإشارة الصليب".


وفي السنة ٣١١ ثار الإضطهاد بشدّة على المسيحيّين، فهبَّت نار الغيرة في قلب أنطونيوس فسار إلى الإسكندريّة يشدّد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيّين إلى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الإيمان.

ولمّا خمدت نار الإضطهاد، عاد إلى صومعته يتابع حياته النسكيّة.

ومنَّ الله عليه بموهبة شفاء الأمراض وطرد الشياطين، فتقاطر الناس إليه أفواجاً فخاف من روح الكبرياء، فهرب إلى بريَّة تيبايس العليا.

وبعد أن عثر رهبانه عليه زار أدياره وحثَّ الرؤساء والرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، وعاد إلى خلوته.

محثمّ زار القدّيس بولا أوّل النسّاك كما ذكرنا في ترجمة هذا القدّيس.

وفي السنة ٣٢٥ إزدادت هرطقة الآريوسيين تفشّياً في الإسكندريّة، فدعاه القدّيس أتناسيوس إليها فلبَّى أنطونيوس الدعوة، رغم كبر سنّه، فخرجت المدينة لإستقباله.

فأخذ يحذِّرهم من الهرطقة الآريوسية، ويبيِّن لهم أنَّ المسيح إله حق وإنسان حق.

ثم عاد إلى جبله.

وكانت له المنزلة الكبرى لدى العظماء والملوك، لا سيّما الملك قسطنطين الكبير الذي كتب إليه يطلب صلاته وشفاعته.

وفي المرحلة الأخيرة من حياته، زار أديرة رهبانه محرِّضاً الجميع على الثبات في طريق الكمال.

ورقد بسلام في ١٧ ك٢ سنة ٣٥٦ وله من العمر مئة وخمس سنين.

من تركته الروحيّة سبع رسائل شهيرة كان قد وجّهها إلى بعض أديرة المشرق.

وقد نقلت من القبطيّة إلى اليونانيّة واللاتينية وطبعت مندمجة بين تآليف الآباء.

وحسبنا أن نذكر المناسك والنسّاك الكثر الذين إقتدوا به متّخذين طريقته في لبنان.

وما وادي قاديشا، ودير مار أنطونيوس قزحيا التاريخي الشهير بمعجزاته في طرد الشياطين إلاّ دليل على ما لهذا القدّيس من الشفاعة لدى الله ومن الثقة والكرامة في قلوب اللبنانيين.

والرهبانيّات المارونيّات الثلاث أبت إِلاّ أن تدعى بإسمه المبارك منذ نشأتها وأن تتّبع طريقته النسكيّة.

ولذلك حقّ له أن يُدعى "كوكب البريّة" ومجد الحياة الرهبانيّة وشفيع الجماعات والأفراد في كل مكان وزمان.

صلاته معنا. آميـــــــن.

#خدّام_الربّ

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.