HTML مخصص
11 Aug
11Aug
إعلان خاص
مار إفرام السرياني

(٣٠٦ - ٩ يونيو ٣٧٣ م.)

سير القديسين والشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية


"انظروا إلى نهاية سيرتهم؛ فتمثلوا بإيمانهم" (عب ١٣ : ٧)


← اللغة الإنجليزية: Saint Ephrem the Syrian - اللغة اللاتينية: Ephraem Syrus

- اللغة العبرية: אפרים הסורי

- اللغة اليونانية: Ἐφραίμ ὁ Σῦρος

- اللغة السريانية: ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ ܣܘܪܝܝܐ‎.


عيّنة فريدة من رجال الله القديسين، يدعوه السريان "قيثارة الروح القدس"، فقد قدّم للكنيسة أناشيد روحية بلا حصر، حملت مع نقاوة الإيمان المستقيم روح العبادة التقوية وعاطفة الحب المتأجج مع عذوبة الأسلوب وحلاوته، هذا وقد جاءت حياته في مجملها سيمفونية رائعة، تعزف لنا النسكية الحازمة مع اهتمام بخدمة الفقراء، وحزم في العقيدة والتعاليم الكنسية مع أتضاع شديد!



حداثته:



وُلد حوالي عام ٣٠٦ م. في مدينة نصيبين إحدى بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين: الميصة) Roman Mesopotamia.

كان والداه مسيحيين، إذ قال :

"وُلدت في طريق الحق، مع إنني في صبوتي لم أدرك عظمة الحق، وإنما عرفته بالتجربة".

كما قال :

"كان والديّ معترفين أمام القاضي، نعم إني قريب للشهداء".

إلتصق بالقديس مار يعقوب أسقف نصيبين Jacob, the second bishop of Nisibis، ويقال أنه صحبه معه في مجمع نيقية عام ٣٢٥ م.

بعد موت مار يعقوب بقى مار أفرام ملتصقًا بالثلاثة الأساقفة خلفائه على الكرسي، ربما كرئيس للمدرسة التابعة للكرسي.


التجربة الأولى :


ظهرت علامات الحمل على عذراء إبنة أحد رؤساء المدينة، وإذ سؤلت عمّن إرتكب معها الشر، أشارت إلى القديس أفرام الذي لم يعترض عليها، بل في إتضاع قال أمام الأسقف :
أخطأت يا أبي... فتعثّر الشعب جدًا، وحدثت بلبلة شديدة.

وإذ تسلّم أفرام الطفل ليربّيه تعب الكثيرون بسببه، فإضطرّ أن يستأذن الأسقف ليصعد بعد قدّاس الأحد على الإنبل ويحمل الرضيع بيمينه نحو المذبح، وصرخ أمام الكل :

"أيّها الطفل، أناشدك أمام مذبح الله، قل لي الحق: من هو أبوك".

فنطق الطفل :

أفرام قندلفت (المكلف بإضاءة قناديل الكنيسة)، فبكى كل الشعب وطلبوا منه السماح... وأسلم الطفل روحه في تلك الساعة!


خروجه من نصيبين :



عاصر حصار الفرس للمدينة ثلاث مرات في الفترة ٢٣٨-٣٥٠ م.

حيث سُلمت نهائياً لهم، بموجب معاهدة صلح بين سابور ملك الفرس Shapur II of Persia وجوفنيان Jovian، فإضطرّ جميع المسيحيين إلى تركها، ومن بينهم القدّيس مار أفرام حيث توجّه إلى الرها Edessa.

عند إقترابه من المدينة إلتقى بإمرأة زانية، فتطلّع إليها ليجدها تحدّق فيه بشدّة.

فقال لها :

"يا إمرأة، أما تستحين أن تحدّقي بنظرك إليّ هكذا؟"

أجابته :

"إنّ المرأة قد أُخذت من الرجل فيحق لها أن تتفرّس في أصلها، أمّا الرجل فأُخذ من التراب فينبغي عليه أن يتفرّس في أصله الذي أَخذ منه".

عندئذ قال في نفسه :

"إن كان نساء هذه المدينة حكيمات هكذا فكم تكون حكمة رجالها؟".



حياته في الرها :



يُقال أنه إشتغل في أعمال بسيطة، وكان يقضي بقية وقته في الكرازة للوثنيين وتعليمهم الكتب المقدّسة، حيث كان غالبية السكان وثنيين.

حرك الشيطان إمرأة تسكن بجواره بفكر شرير، فسألته إن كان محتاجًا إلى شيء.

أجابها :

"إني محتاج إلى طوبتين وبعض الطين لأسدّ بها الطاقة التي بيني وبينك".

فإغتاظت المرأة بسبب جفاف كلماته وهدّدته أنّها تتّهمه بإرتكاب الشر معها إن لم يسقط معها، فتظاهر بموافقتها، لكنه إشترط أن يرتكبا الشر في سوق المدينة.

وإذ سألته :

"كيف نفعل هذا الأمر والناس من حولنا؟"
أجاب :
"إن كنتِ تستحين من الناس، أفما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام؟"...

تأثرت المرأة جدًا، وقيل أنّها تابت على يديه، وإلتحقت بأحد الأديرة.

بعد قليل سكن القدّيس أفرام في أحد مغاير جبل الرها، على تلّ صخري يعرف الآن بإسم نمرود داج، حيث عكف على العبادة مع دراسة الكتاب المقدس.

قيل أنّ متوحدًا إسمه أفرام كان واقفًا خارج مغارته في الجبل فرأى ملاكًا نازلًا من السماء معه درج كبير مكتوب عليه من الوجهين، يحيط به ملائكة آخرون، وسمعه يقول :

"لمن أعطي هذا الذي بيدي؟".

فأجاب الملائكة :

"إلى أوكين المتوّحد الذي من صحراء مصر".

ثم عاد فسأل :

"من الذي يستحقه؟"

أجابوا :
"يوليانس المتوّحد".

عندئذ قال لهم :

"ليس بين بشر هذا الزمان من يستحقّه سوى أفرام السرياني الذي بجبل الرها"...

وإذ رأى المتوّحد ذلك تشكّك أولًا، لكنه إذ زار مار أفرام في مغارته وجده يكتب في تفسير سفر التكوين، وإذ قرأ ما يكتبه دُهش بسبب الموهبة التي أعطيت له، فأخذ منه التفسير وأسرع به إلى مدرسة الرها، وعرضه على علمائها الذين أُعجبوا به، فأمسكوه ليكرّموه، فقال لهم عن كاتبه...
فأسرعوا إلى مار أفرام ليحضروه، أما هو فإذ شعر بذلك هرب في أحد الأودية.



نزوله للعمل:



ظهر له ملاك الرب وألزمه ألا يهرب من العمل، وفي خضوع نزل إلى المدينة وبات في أحد أبراج سور الرها، وفي الصباح إذ رآه بعض المؤمنين اغتاظوا لأنه هرب عندما ذهبوا إليه، وجاء الآن من تلقاء نفسه، وحسبوه مرائيًا، بل وإتهمه البعض بالجنون، أمّا هو فلم يبال لا بكلمة المدح ولا الذم، إنما كان يعبر في السوق يعلم ويعظ الكثيرين.


إذ كان جادًا في كرازته وإستقامة إيمانه ثار عليه بعض رؤساء المدينة والهراطقة واليهود والوثنيين، وصاروا يضربونه حتى إضطر للهروب إلى مغارته وتكريس وقته للكتابة ضد الهرطقات، وتحولت المغارة إلى مدرسة في الجبل تضم العديد من التلاميذ.



في إسقيط مصر:



رأى مار أفرام القدّيس باسيليوس الكبير أشبه بعمود نار نازلًا من السماء فإشتاق أن يلتقي به، وإذ أخذ معه مترجمًا سافر إلى مصر وهناك شدّه الإسقيط، وبقى فيه قرابة ثمان سنوات، ولا زالت شجرته قائمة بدير السريان، إذ قيل بسبب نسكه الزائد كان يتوكأ على عصا فحسبه البعض أنه يتشبه بالشيوخ متباهيًا، فغرس عصاه في الأرض، وللحال أزهرت ونمت.




إلتقاؤه مع القديس باسيليوس:




ذهب إلى قيصرية حوالي عام ٣٧١ م.
وحضر قدّاس عيد الظهور الإلهي بملابسه المهلهلة، وإذ رأى القدّيس باسيليوس من بعيد سقط قلبه بسبب فخامة ملابسه وتشكّك في أمره، لكنه ما أن وقف القدّيس يعظ حتى رأى كأن ألسنة نارية تنطلق من فيه متجهة نحو قلوب سامعيه، وكأن حمامة تنطق من فيه، فتغيّر فكره في الحال.

رأى القدّيس باسيليوس كأنّ ملاكين يحيطان بالراهب أفرام فأرسل إليه يستدعيه بعد العظة مباشرة لكنه إلتمس أن يكون اللقاء بعد التناول، وبالفعل إلتقى الإثنان بقبلة أخويّة.

ثمّ قال له القديس باسيليوس على إنفراد : لماذا شككت؟ مُظهرًا له أنه يلبس مسحًا من الداخل، قائلًا له :
"أما هذه الملابس الخارجية الفاخرة فهي من أجل كرامة الخدمة فقط".

بقيت الزيارة أسبوعين، وقد حاول القدّيس باسيليوس رسامته قسًا، لكنه بالكاد قبل أن يرسم شماسًا "دياكون" تأثر القدّيس باسيليوس كثيرًا بشخصيّته وتعاليمه كما ذكر في كتاباته.



عودته إلى الرها :



رجع إلى الرها وصار يقاوم الهرطقات.

وإذ رأى أحدهم قد ألّف ١٥٠ نشيدًا تحمل عقائد خاطئة يترنّم بها الشعب، ألّف هو أيضًا ١٥٠ نشيدًا بذات النغم مع إستقامة الإيمان وعذوبة الأسلوب وقوّته فحلّت محل الأناشيد الأولى.

إذ هدأ جو الهرطقات عاد إلى مغارته حتى إجتاحت المدينة مجاعة عظيمة في شتاء ٣٧٢ / ٣٧٣ م.

فنزل إلى المدينة يحثّ الأغنياء على العطاء الذين أوكلوه على التصرّف حيث أقام دارًا بها ٣٠٠ سريرًا للمرضى بسبب المجاعة، وكان يخدم المحتاجين بنفسه مع أعوانه، ولم يعد إلى مغارته حتّى إنتهت المجاعة.

وفي التاسع من شهر يونية (حزيران) عام ٣٧٣ م.

أسلم روحه بعد أن قدّم هذه الوصية نظمها شعرًا.

"لا تضعوني تحت مذبح الله، لأنه لا يليق أن توضع الجيفة النتنة في المكان المقدّس.

لا تضعوا جسدي مع الشهداء لأني خاطئ، ولا أستحق، وأخشى الإقتراب من عظامهم، لا تكفنوني بالعطور فإني غير مستحق للبخور والأطياب إذ لا تليق بي، بل قدّموا البخّور في الأماكن المقدّسة، أمّا أنا فإسندوني بصلواتكم.
عوض العطور والأطياب اذكروني في توسلاتكم...

قطعت عهدًا مع الرب أن أُدفن مع الغرباء لأني غريب كما كانوا هم.

ضعوني يا إخوة معهم، لأنّ كل طير يحب جنسه، والرجل يحب شبيهه.

ضعوني في المقبرة حيث منكسرو القلب حتى حينما يأتي إبن الله يضمّني إليه ويقيمني معه..".



ثورته الأدبيّة :




أغنى المكتبة المسيحية بكتاباته المنظومة شعرًا وأيضًا المنثورة، وهي لا تقلّ عن ثلاثة ملايين من الأسطر، ضمّت شرحًا للأسفار المقدّسة كلّها، وموضوعات الجدل الديني، وبعض مقالات ورسائل مع ميامر وتسابيح، وقد فقد بعضها.




شخصيّته الجذّابة :



إن كان قد تظاهر بالجنون في بعض الأوقات ليهرب من الأسقفيّة حينما حاول القدّيس باسيليوس سيامته أسقفًا على أحد أقاليم أبراشياته، وإن كانت دموعه لم تجف قط حتى حسبها القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص ظاهرة طبيعية كما لا يتوقف التنفس في حياة الإنسان، فقد كانت محبته الفائقة للفقراء وحنوه وشبعه الروحي يعطي لشخصيته جاذبية عجيبة، حتى قال القدّيس غريغوريوس النيصي أنه شابه الملائكة الذين بلا جسم مادي وبلا همّ في حياتهم!



* المرجع Reference (الذي إستخدمه كتاب "قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية" للقمص تادرس يعقوب ملطي):

مطبوعات دير السريان: ميمر الميلاد المجيد 1961م.Butler's Lives, of Saints, Jun 18.

← ملفان هي لفظة سريانية تعني "المعلم".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.