HTML مخصص
25 Dec
25Dec

في كلّ ميلاد تقع من روزنامة حياتنا سنة كاملة، نتجه نحو إكتمال العمر وعبور محطّاته. أما صاحب العيد "يسوع" فتزداد سنواته غنىً وشبابه تألقاً، سراجه لا ينطفىء وقلبه لا يتوقف عن ضخّ الحب في العالم "وأَنْتَ أَنْتَ وسُنُوكَ لَنْ تَفْنَى".

ظاهرتان جميلتان في الميلاد: الشباب الدائم والنور الدائم.

بلغ يسوع من العمر أكثر من ألفي عام وما زال شابّاً!! فما سرّ شبابه الدائم؟ لماذا لا يموت؟ هل نستطيع نحن أن نكون مثله؟ سرّ شباب يسوع الدائم هو النور "أنا نور العالم".

النور يلزمه طاقة متجددة لا تنضب، والطاقة المتفجرة نوراً من يسوع هي متجددة دائماً تشمل كل جغرافيا العالم وكل جغرافيا الانسان "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،"
(٢ بطرس ١/ ١٩).


تلك الكلمة النبوية الإلهية هي يسوع الذي تجسّد وصار إنساناً في المواضع المظلمة، في مغارة النفوس. لماذا؟ لأنها الاكثر ظلاماً والأكثر حاجة إلى تجديد شبابها.

السبب الاول للظلام الذي يكتسح النفس هو عدم "الانتباه" لتلك "الكلمة" وهي "مفتاح" النور في حياتنا "وفي آخِرِ هذِهِ الأَيَّام، كَلَّمَنَا في الابْن، الَّذي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيء.

وبِهِ أَنْشَأَ العَالَمِين.
وهُوَ شُعَاعُ مَجْدِهِ وصُورَةُ جَوهَرِهِ، وضَابِطُ الكُلِّ بَكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ".

إذا انتبهنا الى تلك "الفقسة" وجعلناها في موضع معروف لن نحتاج الى جهدٍ كبير لتشغيل الإضاءة في مغارة نفوسنا المظلمة.

الأمر يحتاج إلى قرار ومبادرة بسيطة وهي إيصال تمديدات النور الى جميع مفاصل النفس، ووضع "الفقسة" في متناول اليد، والمبادرة فوراً الى تشغيلها حتى "يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِنا".

قد يشتكي البعض من كثرة "العقد" في أسلاك التمديدات كما في الحياة، ويظنّ أن التيّار سيصل ضعيفاً أو لا يصل أبداً الى مفاصل النفس الاكثر ظلاماً.. هذا خطأ!!

أخبرني صديقٌ لي أن عنصر سلاح الهندسة في الجيوش يلجأ الى عَقْد أسلاك المتفجرات ليصل التيّار إليها قوياً، إذ أنه في كل عقدة ينفجر من جديد ويعوّض ما خسره من طاقة على الدرب الطويل.


رائعة تلك الحيلة، لماذا لا نستعملها نحن أيضاً في مسيرة حياتنا الطويلة وما فيها من تعقيدات كثيرة؟! لماذا نخاف العِقَد طالما أنها سبب حقيقي لتجديد وتنشيط تيّار الإنارة في ظلمة العمر؟!
عندما سار يسوع مع تلميذي عمّاوس العائدين الى قريتهما خائبين بعد الجلد والصلب والموت وصفهما بالغباء لأنهما لم ينتبها الى "مفتاح الميلاد" في مسيرة عودتهما ولم يستعملا عقدة الصليب لتجديد طاقة الحبّ "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِهما" فَقَالَ لَهُمَا:

«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟»

(لوقا ٢٤ / ٢٥).

تكلّمَ الانبياء عن رجل الأوجاع الذي هو المسيح، إله العهد الجديد، الصخرة الثابتة على إيمان بطرس "وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ."

(١ قورنتوس ١٠/ ٤).
رجل الاوجاع هو نور العالم وخروف الفصح هو الخبز النازل من السماء.
ولد "نور العالم" في المكان الأكثر ظلمةً في مغارة بيت لحم، التي تعني بيت الخبز.
النور والخبز حاجة قصوى لكل الناس، فأزمة عالم اليوم تتمحور حول تأمين ديمومة النور والخبز.

لذلك تُبذل جهود جبّارة لاستخدام الطاقة النظيفة المتجددة من الماء والهواء والشمس..
هناك طريقة ميلادية مجانية لتوليد طاقة متجددة لا بل عاصفة يمكنها اجتياح العالم وتفجير النهار في ظلمات الليل وإشباع الجائعين الى الحياة من خبز الحياة.

"مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ."
(مزمور ١.٢ / ٢٥ - ٢٧).

كل سنة نُعيّد الميلاد، نستقبل الزوّار المهنّئين بالعيد مع أطيب التمنيات وأجمل الثياب وأشهى المأكولات، نتبادل الهدايا خصوصاً أبناؤنا الصغار.

كلّ ذلك جميل وإيجابي ومُحبّب وإنساني بامتياز، نسمّيه "روح الميلاد" الذي يدخل النفس البشرية دون إستئذان ويُضيء الاماكن المظلمة فيها.

في كل سنة نحن نتغير ونزداد عمراً لكن يسوع يتجدد شباباً، فمن له سلطان على كل شيء يُغَيِّر ولا يَتغيَّر، هو قادر أن يغيرنا من طبيعتنا الخاطئة لنكون قديسين "فلَيسَ لَيلٌ لِلَّتِي كانت في الضِّيق"
(أشعيا ٨/ ٢٣)

لأن "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً والمُقيمونَ فِي بُقعَةِ الظَّلاَمِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ النُور"
(أشعيا ٩/ ١).

ميلاد مجيد


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.