HTML مخصص
11 Dec
11Dec

أعلن بولس في الرسالة الى أهل أفسس أنه أسير المسيح يسوع، فهل أتى المسيح يسوع لأسر الناس؟ وكيف يقبل بولس الثائر أن يكون أسيراً؟ ومن أجل من؟! "أَنَا بُولُس، أَسِيرَ المَسيحِ يَسُوعَ مِنْ أَجْلِكُم، أَيُّهَا الأُمَم" كيف يكون الأسر من أجل من الامم؟ ومن هم الامم؟

لا ننسى أننا في أحد البيان ليوسف، حين قال له الملاك:

«يَا يُوسُفُ بنَ دَاوُد، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، فَٱلمَوْلُودُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. وسَوْفَ تَلِدُ ٱبْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم»

(متى ١/ ٢٢)

فالمسيح أتى ليخلّص (يحرر) شعبه من خطاياهم ولا يقبل أن يكون أحداً أسيراً أو عبداً له

"لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي."
(يو ١٥/ ١٥).

يؤكد الملاك في بيانه ليوسف أنه هو إبن داود ومن صلب داود أتى، لكن يسوع "إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدس" وشعبه ليس محدوداً بعرق أو دين أو جغرافيا بل جميع الامم "مِنْ أَجْلِكُم أَيُّهَا الأُمَم"!!

لا يقبل اليهودي المتديّن هذا المنطق، فالخلاص بالنسبة له هو لليهود حصراً وبالتالي هم شعب الله المختار.

لكن بولس علم سرّ المسيح بوحي من الروح القدس ذاته "هذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء".

ذاق بولس محبة المسيح دون أن يتعرف اليه بالجسد كما سائر التلاميذ، اختبر جمال محبته للبشر أجمعين فأصبح أسير هذا "الحب" ينطق به ويعيش فيه ويتمدد صوبه في حركة مستمرة لا تتوقف "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ"
(فيلبي ٣/ ١٣).


دخل بولس سريعاً في سرّ المسيح، أذهله ما رآه من حنوّ حقيقي لا حدود له، يحمل جميع الناس وجميع ما في الناس (جميع الخطايا) الى الخلاص..لأجل هذا أصبح بولس أسير حبّ المسيح، هو المشاكس الجريء والمحافظ العنيف على ناموس موسى وإرث داود أذابه حتى الصميم سّر المسيح يسوع إبن "الصبية" مريم تابوت العهد الجديد "هَا إن الصبِّية تَحْمِلُ فَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ"(أشعيا ٧/ ١٤) أي الله معنا ومع جميع الشعوب "وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا" (أشعيا ١١/١١).


في أحد البيان ليوسف حدثت ثورة لا مثيل لها في التاريخ، ثورة تحدّت قوانين البيولوجيا وقوانين الناموس..

حسب قوانين البيولوجيا لا يمكن للعذراء أن تحبل وفي قوانين الناموس لا يمكن للخلاص أن يكون خارج اليهود.

أعجوبتان أشعلتا قلب بولس، فكتب بإيجاز الى كنائس الأرض يعلن بحماس عن سرّ المسيح وهو "أَنَّ الأُمَمَ هُم، في المَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في المِيرَاثِ والجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل".

نعم جميع الشعوب هم شركاء في الميراث، يرثون كالابناء.

شركاء في جسد المسيح في سرّ الافخارستيا بعد نوال سر المعمودية والتثبيت.

شركاء في الوعد، وعد الله لإبراهيم والآباء والانبياء والرسل القديسين، والوعد هو أن تحل نعمته على كل من يؤمن به فيصبح خليقة جديدة، رغم الضعف البشري والهوان الذي يعيش فيه "سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَمَجِّدُوهُ يَا كُلَّ الشُّعُوبِ.

" لأَنَّ رَحْمَتَهُ غَلَبَتْ عَلَيْنَا، وَأَمَانَةُ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ تَدُومُ. هَلِّلُويَا!"
(مزمور ١١٧).
حرّك الروح قلب يوسف وأسرع فأخذ مريم الى بيته وتحققت ولادة العمّانوئيل.

غمر الروح القدس العذراء مريم نعمةً وتحقق الوعد فالصبية "تَحْمِلُ فَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ".

والروح نفسه غمر بولس رحمةً ومن بعده ملايين أنبياء العهد الجديد فاكتشفوا سرّ المسيح "هذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء" وأعلنوا الخلاص للخلق أجمعين.

واليوم يأمرك الروح ألاّ تخاف أن تفتح أبواب قلبك على رحمة الرب التي لا حدود لها.

لا تخف أن تُعطي من أساء إليك فرصة أخرى للغفران.

لا تخف أن تنطلق نحو من أغلق قلبه في وجهك.

لا تخف أن تمدّ يدك للآخر المختلف عنك بالرأي أو العقيدة أو اللون أو الجنس أو العرق أو الهوى.

لا تخف أن تحطم أفكار العزل والفصل ولو كان الجميع يعتنقها.لا تخف أن تأتي بمريم الى بيتك، لأن تلك العذراء ممتلئة نعمة وستملأك بقوة الروح القدس من تلك النعمة.

لا تخف أن تنطلق نحو الخط الفاصل بين الحياة والموت وستكون لك الحياة رغم كل شيء "لِذَلِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا مَجْدٌ لَكُم!".

أحد مبارك


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.