HTML مخصص
09 Oct
09Oct

يوم الرب هو اليوم الذي ينتصر فيه الانسان على التجربة، هو اليوم الذي يكون فيه الرب سيّدا مطلقاً على الافعال والسلوك وكل الخيارات، وهو اليوم الذي يأتي كالسارق ليلاً في لحظة الضعف أو ساعة الراحة حين يكون الانسان على طبيعته يعيش الحقيقة الصعبة كما هي، في تلك اللحظة تحصل المعركة فينتصر الرب وينتصر الانسان "العبد الامين الحكيم"..

في الاحد الرابع بعد عيد الصليب نتأمل شخصية العبد الامين الحكيم التي جسّدها بكل تفاصيلها يوسف في سفر التكوين.

ظُلم يوسف من قبل إخوته، فإتفقوا فيما بينهم على إزالته من الوجود، رموه في بئرٍ وتركوه لمصيره المحتوم وهو الموت.

لكن الله أيّده بالقوة والقدرة والصبر حتى أتاه تجّار عرب رفعوه من البئر وباعوه في مصر لوزير يخدم في بلاط الفرعون.

أوكله سيده على بيته، أمّنه على كل موجوداته وجعله الاول من بعده يدير شؤون المنزل في غيابه.

لكن عندما غلب الشرّ قلب زوجة سيده وأرادت أن توقع به رفض لشدة أمانته، فظُلم مرّة أخرى ووضع في السجن.

دفع يوسف ثمن الأمانة غالياً من البئر الى السجن، وهو بطبيعة الحال بريء مع إخوته وبريء مع زوجة معلّمه.

من البئر خرج منتصراً ومن السجن خرج منتصراً.

ربما نظنّ أن العدالة تتأخر وهذا صحيح، لكن ستأتي حتماً في زمان لا ننتظره وفي مكان لا نتوقعه!!

من كان يعلم أن يوسف سيخرج من السجن الى الحرية وهو عبدٌ عبراني غريب في أرض مصر محكومٌ عليه بالتعدي على زوجة سيّده الذي أقامه على بيته وأمّنه على حياته؟!!

ربما يميل الانسان بطبعه الى الخيانة ليربح سريعاً مكسباً مادياً أو معنوياً أو ليرتاح من أوجاعه ويتخلص من نقصه أو ايجاد "مخرجاً" سريعاً لمشاكله وإشباع غرائزه، ربما مَن يتحملون عبء الأمانة هم النسبة الاقل بين الناس ومن يختارون السجن والموت على الخيانة كالجواهر "نادرون" لكن هذه هي الحقيقة الصعبة الناصعة كبياض الثلج لا تحمل تأويلاً ولا لبساً ولا تعقيدا..

إكليل العبد الامين سيكون "قيامة" مزهلة لا يتصوّرها إنسان.

خرج يوسف من السجن الى بلاط فرعون مكللاً بالمجد، دخله محكوماً خرج حاكماً.. دخل عبداً مأموراً مذلولاً خرج حراً سيداً ممجداً.."ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «انْظُرْ، قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ».

وَخَلَعَ فِرْعَوْنُ خَاتِمَهُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ بُوصٍ، وَوَضَعَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِي عُنقه، وَأَرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الْثَّانِيَةِ، وَنَادَوْا أَمَامَهُ «ارْكَعُوا».

لو فرّط يوسف بالأمانة مثل الملايين ممن هم قبله أو بعده ماذا كان سيربح وماذا كان سيخسر؟ هل تتخيّل معي سيناريو الخيانة؟! يستطيع الانسان بكل سهولة أن ينهار أمام الاغراءات لألف سبب وألف عذر وألف ظرف، يمكن أن يفتح لنفسه باباً للخروج من مأزق معين يعتبره الخيار الوحيد أو الحلّ الوحيد فيخضع ويخسر نفسه!!

كان يوسف بموقع القادر على الخيانة لتوفر عناصرها:- غياب السيد المتكرر خارج المنزل.

- موقع يوسف الطبيعي داخل منزل سيده حيث الوجود الطبيعي أيضاً لزوجته.

- خلو المكان من الفضوليين.

- سهولة إخفاء الخيانة عن الزوج خصوصاً أن الزوجة هي المبادرة الاولى.

كل تلك العناصر توفرت ليوسف لكنه رفض التنازل عن إيمان أجداده والتفريط بثقة سيده. قال في نفسه: "حتى لو لم يعلم الناس بأمري لكني أنا أعلم والرب يعلم" أستطيع التخفي والهروب من عيون الناس وألسنتهم لكن كيف أهرب من عيون ذاتي لذاتي وأكيف أحجب عني نظر الرب وهو فاحص الكلى والقلوب يخترقني حتى مفارق النفس؟!موقف يوسف ليس عابراً وليس حالة ظرفية تفجرت فيها عاطفته وحنينه الى موطنه وإله آبائه وأجداده، إنما هو يوسف بكليته العبد الامين الذي أقامه سيده على ممتلكاتهِ وأعطى الطعام للخدم في وقته، هو العبد الامين في كل حين لا يستطيع إلا أن يكون هكذا، لا يعرف التكاذب والتحايل والتلون واللف والدوران، يُعبر عن حقيقته كما هي باستمرار وبكل بساطة..

عاش يوسف الأمانة في كل الظروف في البئر والحبس، في منزل الوزير وفي قصر فرعون.

عاش الأمانة حين كان عبداً مغلوباً على أمره ومسلوباً أبسط حقوقه الانسانية لكنه استطاع أن يحافظ بشجاعة بطولية على حرية خياره بعزم وثبات في أقسى درجات ضعفه وأعلى درجات قوته..
فهو يعلم أن ربّ البيت يأتي كالسارق في ساعة لا يعرفها ولا يتوقعها، وعليه أن يبقى حاضراً على مدى الساعات والأيام والسنين، يسير في النور كما هو، دون أي تصنع أو تمثيل الحالة "فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق".

إذن لا عذر لخيانة الامانة، فكما أن الليل والنهار لا يلتقيان كذلك الظلمة والنور فالخائن والأمين لا يلتقيان وجود الاول ينفي وجود الاخر والعكس صحيح "فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة"..

في معركة الحياة والموت تنتصر الحياة، في معركة النور والظلمة ينتصر النور، في معركة الحب والكراهية ينتصر الحبّ، في معركة الامين والخائن ينتصر الامين..

في يوم الرب سلاح المعركة الايمان والرجاء والمحبة "فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الخَلاص". آميـــــــن.

أحد مبارك


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.