HTML مخصص
02 Oct
02Oct

في الأحد الثالث بعد عيد الصليب نتأمل مشهدية نهاية المعركة كما يصفها دانيال النبي (سفر دانيال ٧/ ٩-١٤) بين الحيوان الذي يمثل غرائز الانسان وكل قوى الشرّ من جهة وقديم الزمان "الله" وابن الانسان "يسوع" من جهة أخرى.

تنتهي المعركة بقتل الحيوان الرئيسي وإزالة سلطان باقي الحيوانات عن الارض "قُتِلَ الحَيَوانُ وأُبيدَ جِسمُه وجُعِلَ وَقوداً لِلنَّار. وأَمَّا باقي الحَيَوانات، فأُزيلَ سُلطانُها."

لكنّها تبقى موجودة الى زمان ومكان يحدّدهما كل إنسان حين يقوم بمعركته الخاصة الحتمية والشخصية جداً التي تندلع في داخله بين شرّ لا يريده وإيّاه يفعل وخيرٍ يريده وإيّاه لا يفعل (بولس الرسول).

والنصر يكون حليف أتباع إبن الانسان (يسوع) الذي "أُوتِيَ سُلْطاناً ومَجداً ومُلكاً فجَميعُ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ يَعبُدونَه وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لايَنقَرِض" لأنه بَلَغَ إِلى قَديمِ الأَيَّام" أتمّ رسالته على الارض وتمم مشيئة الاب على الصليب و"قُرِّبَ إِلى أَمامِه" فأصبح قرباناً يُمثل الحب الاعظم الذي يُبذل من أجل الاحبّاء.في نهاية المعركة ينتصر الحبّ (القربان) على الموت ومن يُمثله.

من يُمثّل الموت هم أعداء المسيح، هم المسحاء الدجّالون "سَوْفَ يَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وأَنْبِيَاءُ كَذَبَة، ويَأْتُونَ بِآيَاتٍ عَظِيمَةٍ وخَوارِق، لِيُضِلُّوا المُخْتَارِينَ أَنْفُسَهُم، لَو قَدِرُوا" (متى ٢٤/٢٤) لا يجب الاستهانة بالمسحاء الكذبة لأنهم يُبهرون العين بالخوارق ولو كانت فارغة ويدغدغون المشاعر بالايات ولو كانت واهية، يأسرون النفس بأساليب تُحاكي الغريزة، تُضعف الارادة، تُشوّه الرؤية، تُفسد العقول الذكية، تُضلل المختارين أنفسهم لو قدروا!!!


كيف يمكن تمييز المسحاء الكذبة عن المسحاء الحقيقيين؟!
يصفهم دانيال النبي بالحيوانات "وأَمَّا باقي الحَيَوانات، فأُزيلَ سُلطانُها. لكِنَّها أُتِيَت طولَ حَياةٍ إِلى زَمانٍ ووَقْت" تلك المخلوقات موجودة بيننا وفينا، تعمل على سحقنا من الداخل والانتصار علينا بقوتنا وقتلنا بسلاح أيدينا لانها خبيثة لكن "أُزيلَ سُلطانُها" بقوة المسيح.
أما بولس الرسول فيعطينا مؤشرات مادية ومسلكية واضحة يمتاز بها المسحاء الكذبة "أُكَلِّمُكُم عَنْهُمُ الآنَ باكِيًا" لأنهم فتّاكون كالذئاب المفترسة.. هذه صفاتهم الواضحة:

١- "يَسْلُكُونَ كأَعْدَاءٍ لِصَلِيبِ المَسِيح" هم أعداء الحياة، أعداء الحبّ والفرح والسلام. سلوكهم واضح، يمتازون بالأنانية فهم ذاتهم محور أي علاقة، يتسلطون على الاخر شريكاً أو زميلاً أو رفيقاً أو مجرد عابر سبيل..!! مع هؤلاء لا تشعر بالراحة، لا يجد الفرح سبيلاً الى قلبك ولا الطمأنينة موضعاً في نفسك. معهم تشعر دائما بالنقص، هم على حق في كل شيء وأنت باطل في كل شيء.. معهم تعيش تعيساً مريضاً تطلب الرحيل أو الطلاق أو الموت وإذا أعِدمتَ الشعور بالقرف من كل شيء أو الفرح بأي شيء، أي أنهم أوصلوك الى مرحلة "اللاحياة" وهي الأخطر على الاطلاق ساعتئذٍ ستكون نهايتك إذا استسلمت أو بدايتك إذا قاومت وأخذت الصليب سلاحاً في معركة ستكون فيها حتماً منتصراً..
٢- "أُولئِكَ الَّذينَ إِلهُهُم بَطْنُهُم" يظنّون أن السعادة هي في الاكل والشرب وإشباع البطن، علماً أن البطن لا يشبع بل العين!! لذلك العين هي سراج الجسد، فمن أشبع عينه من جمالات الروح لا يشعر بالجوع أبداً.. هكذا تعلم القديس فرنسيس التحليق في السماء من العصفور الذي يأكل قليلاً ويرتفع كثيراً، تخلّى عن عبادة البطن وجوف الغريزة ونذر الفقر فأصبح عملاقاً في عالم الروح.. "ليس من إنسان تحت هذه السماء يتربى على هذه الممارسات يمكن أن يصير حكيمًا، مهما كانت عبقريته الطبيعية جديرة بالإعجاب، إنه كمن يدفن عقله في بطنه، أولئك الناس إيمانهم في بطونهم" (أغوسطينوس) ٣- "مَجْدُهُم في عَارِهِم" هؤلاء الاشخاص يفتخرون بالخطيئة، يُشرعون الاجهاض، يُحلّلون الزنى ويتباهون بخيانة عهد الحب مع الشريك الاخر، يُشجعون الانحلال الاخلاقي، يتنمرون على الملتزمين، يُدافعون عن المثلية الجنسية ويسعون الى تشريعها وقبولها، يُتاجرون بالاباحية وتخدير الضمائر بمواد من صنع أيديهم. عِلْماً أن المجد يستحقه من تخلّى طائعاً عن الرذيلة وحمل صليب الحب سائراً على دروب الحياة لو وحيداً، في قلبه بذرة الايمان لو كانت مقدار حبة الخردل متحملاً ألم صلب شهواته تحضيراً لتتويجه على عرش الحب مفتخراً بنعمة الرب كما أعلن بولس الرسول في رسالته الثانية الى أهل فيلبي "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ." (٢ كو ١٢/ ٩).

٤- "وفي أُمُورِ الأَرْضِ هُمُّهُم"

تسمع هؤلاء يتحدثون دائماً عن التسوّق وشراء الماركات الغالية الثمن من الملابس والمقتنيات حبّاً بالظهور والتفوق على غيرهم، يُجهدون أنفسهم ويستنزفون قدراتهم ومواهبهم في أمور سطحية دنيوية باهتة وزائلة، لا يذهبون الى العمق فتتقاذفهم أمواج الماديات وتغرقهم في بحر الأوهام حتى الموت!!في القداس يصلّي الكاهن قائلاً: "لتكن أفكارنا وعقولنا وقلوبنا مرتفعة الى العلا" يجيبه المؤمنون: "إنها لديك يا الله"من يضع فكره وعقله وقلبه لدى الله يجد الراحة لنفسه، يكون محصناً من عواصف الازمات وبراكين المحن رغم أنه يعيش على الارض كباقي الناس، يتأثر مثلهم بالظروف لكنه لا يخضع لها، يتألم ويشقى ويتعب لكنه لا يصل الى درجة اليأس، لأنه يملك رجاءً بالله لا يخيب، يشعر وكأنه محصناً ضد الموت ومحاطاً بهالة من نور لا يخترقها الشرّ، فهو ليس في قلب الموت بل في قلب الحياة.."أما أنت إذا أحببت فلا تقل أن الله في قلبي، بل قل بالأحرى أنا في قلب الله"(جبران خليل جبران)
هذا ما عبّر عنه بولس الرسول في نهاية الرسالة: "إِذًا، يَا إِخْوَتِي، الَّذِينَ أُحِبُّهُم وأَشْتَاقُ إِلَيْهِم، وأَنْتُم فَرَحِي وإِكْلِيلي، أُثْبُتُوا هكذَا في الرَّبّ، أَيُّهَا الأَحِبَّاء". آمين

أحد مبارك


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.