"عند البحر": هو بحر الجليل.
تبعت الجموع المسيح كعادتهم ليتمتعوا بتعاليمه المحيية، وإذ زاد عددهم، وكان قريبا من شاطئ البحر، دخل إحدى السفن وابتعد بها قليلا عن البر، فصارت منبرًا له يتحدث منه، بينما جلست الجموع على الشاطئ لتستمع إليه.
كم هي بساطة المسيح واتضاعه! إنه يعلّم فوق الجبل، أو على الشاطئ، أو يقف في سفينة يعتبرها منبرا لتعاليمه.
فأهم شيء عنده هو أن يكسب محبة الجموع، ويوصل إليهم تعاليمه الروحية.
لقد خرج من البيت الذي كان مقيما فيه، وهو يرمز للكنيسة التي خرج منها إلى العالم ليفتقد شعبه، ودخل إلى البحر الذي يرمز إلى العالم، ولكنه وقف في سفينة وهي ترمز إلى النفس البشرية التي يسكن فيها، ويُظهر ذاته منها للآخرين، كما يفعل من خلال أولاده المؤمنين الذين هم نور للعالم.
"كلمهم كثيرًا": يُفهم أنه أعطى أمثلة كثيرة، ذُكر بعضها في الكتاب المقدس.
"أمثال": وهى توضيح للحقيقة الروحية بقصة عملية واقعية، لتقريب المعنى إلى ذهن السامع.
"الزارع": هو الله.
استعمل الزارع البذور، وهي كلمته التي يعطيها للأراضي المختلفة، التي تمثل أنواع البشر، كل واحد يختلف عن الآخر في تقبّله لكلامه.
إن الزارع قد خرج ليزرع، فالله عمله هو الخير، يلقى كلمته إلى الكل لعلها تثمر. وكذلك أولاد الله، عملهم هو صنع الخير مع الكل، بغض النظر عن مدى تجاوب الآخرين مع هذا الخير.
أول نوع من الأراضي هو الطريق الزراعى الذي يمر بجوار الحقول، وهو مرتفع عنها وصلب وغير معد للزراعة، ويداس دائما بأقدام المارة.
إنه يشير للنفس البشرية المتكبرة والغير معدة بالحرث لقبول كلمة الله، أي فحص النفس والتوبة.
وهو صلب، فيشير لصلابة القلب ورفض كلام الله، ويداس من الكل، أي تدخل إليه كل شهوات العالم، فهو بلا أسوار تحميه، أي غير محصن بالكنيسة، فعندما أُلقيَت إليه كلمة الله، فرح بها سريعا ولكن لم يتقبلها القلب، بل سريعا ما انْقَضَّت عليها طيور السماء وأكلت البذور.
والطيور تشير إلى الشياطين التي تسرق الكلمة، لأن القلب يتأثر مؤقتا، وسرعان ما يفقد هذا التأثر، لأجل كبريائه وعدم توبته عن شهواته المختلفة.
النوع الثاني من الأراضي هو الأرض المحجرة، ولكن لها طبقة سطحية رقيقة من التربة، فمنظرها كأنها أرض زراعية جيدة، وحقيقتها أنها حجارة ترفض كل زراعة فيها.
وهى تشير إلى قساوة القلب كالحجر، وإلى عبادة الأوثان الحجرية، أي عبادة أموال ومراكز هذا العالم، التي هي بمثابة أصنام يتعلق بها الإنسان، فمع أن له تربة سطحية تنمو فيها البذور قليلا، لكن عندما تحاول الجذور أن تمتد، لا تستطيع بسبب الحجارة، وحينما تشرق الشمس تجف هذه النباتات الصغيرة وتموت.
وهي ترمز أيضًا للنفوس المرائية، التي لها مظهر التربة الجيدة وحقيقتها حجرية.
وترمز للقلوب المتعلقة بالعالم، التي تقبل الكلمة لفترة وجيزة، وعندما تأتي عليها التجارب، مثل أشعة الشمس، تجف سريعا وتموت كلمة الله فيها، فهي قلوب قاسية أنانية لا تحب الله من الداخل.
النوع الثالث من الأراضي هو تربة جيدة صالحة للزراعة، ولكنها ممتلئة أشواكا، أي اهتمامات القلب بالعالم وشهواته.
فعندما تُلْقَى إليها كلمة الله تنمو، ولكن نمو الأشواك والحشائش الغريبة أقوى منها، فيزاحم جذورها في الأرض فلا تجد غذاء، وتغطيها الأشواك والحشائش من فوق، فلا تصل إليها أشعة الشمس، فتخنقها وتموت.
وهي تشير إلى خطورة الاحتفاظ بشهوات الخطية في القلب، لأنها تعطل عمل كلمة الله، فلا يستفيد منها الإنسان. والعلاج طبعا هو التوبة ونزع أشواك الخطية، فتستطيع الكلمة أن تؤثر في هذه النفوس.
النوع الرابع من الأراضي هو الأرض الجيدة الصالحة للزراعة، فإن أُلْقِيَتْ إليها كلمة الله، تنمو وتأتى بثمار.
وتختلف كمية الثمر بحسب خصوبة الأرض وتجاوبها مع الكلمة، فكلهم أبناء الملكوت، ولكن نجم يمتاز عن نجم بكيفية استفادته وتطبيقه لكلمة الله.
أكد المسيح أهمية استماع كلمته بالأذنين، أي الأذن الخارجية، والأذن الداخلية وهي القلب، لفهم وتطبيق الكلمة.
† الله يقدم محبته ونعمته لكل الناس، ولكن المهم أن تتجاوب معها، فلا ترفض كلام الله الذي يرسله لك سواء في الكتاب المقدس أو تعاليم الكنيسة وإرشادات أب اعترافك، أو على ألسنة المحيطين بك.
إقبل الكلمة لك وليس لتعليم الآخرين، وحاول تطبيقها في حياتك، وثق أن كل جهاد في تنفيذ كلمة الله غالٍ جدًا عنده ويساندك لتكميله، ويكافئك عليه.
/خادم كلمة الربّ/