HTML مخصص
12 Feb
12Feb

يوم الرب هو الموت، هو الساعة الحتمية لكل إنسان، ساعة الرحيل النهائي عن هذا العالم.

ونحن نطلب من العذراء أن تُصلّي من أجلنا "الآن وفي ساعة موتنا".

جميع الناس يعلمون أنهم مائتون لكنهم لا يعلمون تلك الساعة، فتبقى مجهولة عند الانسان وربما يتجاهلها أو يضعها جانباً أو يتناساها لذلك بالنسبة للكثيرين تأتي على غفلة دون تحضير "لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً".
لماذا لا يُعلمنا الرب بتلك الساعة؟ أستطيع أن أتصوّر حالة الناس لو أنهم يعلمون "ساعتهم".. هم سيتحضّرون بالصوم والصلاة والتوبة والتعويض عن الهفوات والاخطاء والخطايا.. ويُكثرون من أعمال المحبة والرحمة وشدّ أواصل القربى بين الاهل والأقارب والاصدقاء... لكن في تلك الحالة سيخسر الإنسان حريّته، لأنه سيفقد حقّه في الإختيار والمبادرة، وبالتالي سيخسر إنسانيته وينحدر الى مستوى العبد وهذا ضربٌ لجوهره "الحرية" وجوهر الله "المحبة" "أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ، لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً"(يوحنا ١٥/ ١٤-١٥)

بما أن الانسان يعجز عن معرفة تلك الساعة لأنها محصورة فقط بالخالق "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ." (مر 13: 32).

سعى الانسان بكل قدراته لتفاديها أو تأجيلها، أو إمتلاك ما يُعرف منذ القديم ب "إكسير الحياة" أو حديثاً "تكنولوجيا الخلود" أي إمتلاك ما يلزم من آلات ومعدات وأجهزة وأدوية لهزيمة الموت، لكنّه لم يستطع!!

في كتابه “الإنسان الإله”، يقول الفيلسوف "Yuval Noah Harari": “لا يموت البشر في الواقع لأن الإله قضى الأمر، أو لأن الفناء جزء أساسي من خطة كونية عظمى. يموت البشر بسبب خلل تقني ما؛ يتوقف القلب عن ضخ الدم أو ينسد الشريان الرئيسي أو تنتشر الخلايا السرطانية أو تتكاثر الجراثيم في الرئتين.. الأمر برمته مشاكل تقنية، وكل مشكلة تقنية لها حل تقني. لسنا بحاجة لانتظار الظهور الثاني للمسيح للتغلب على الموت، باستطاعة اثنين من المهووسين في مختبر القيام بذلك. وإذا كان الموت فيما مضى تخصصاً لرجال الدين واللاهوتيين، فإن المهندسين هم من يتولى أمره حالياً. يمكننا قتل الخلايا السرطانية بالعلاج الكيميائي أو الروبوتات النانوية، ويمكننا إبادة الجراثيم في الرئتين بالمضادات الحيوية، ويمكننا تنشيط القلب إذا توقف عن الضخ بالأدوية والصدمات الكهربائية، وإذا لم ينجح الأمر، فيمكننا زرع قلب جديد”.

ربما يكون سبب الموت ناتج عن خلل بيولوجي في الجسم البشري وهذا معروف ولكن لا يمكن اعتباره مشكلة تقنية والتغلّب عليه يكون محضاً تقنياً ولو كان ذلك صحيحاً لَوجدت تلك التقنية ولو بشكل بدائي لأن الموت أهم قضية تقلق الانسان على الإطلاق.. أذكر هذا ليس من باب التنكر لقيمة العلم والتطور الطبي وعلاج الأمراض والمشكلات الصحية، إنما لأقول عن قناعة تامة وإيمان ثابت أني ومع الكثيرين لن ننتظر أحد التقنيين أو المهندسين لإختراع ما يؤدي الى تأجيل الموت أو الانتصار عليه ولن ننتظر، المجيء الثاني للمسيح للتغلب على الموت لأنه بالحقيقة قد غلبه منذ أكثر من ألفي سنة وأعطانا القدرة على الانتصار عليه.

يحذّرنا بولس أنه يأتي كالسارق ليلاً، والسارق يتسلل إلى داخل المنازل مستغلّاً غياب أصحابه أو نومهم أو إهمالهم ويأخذ ما ليس له.. لكنّ السارق جبان لن يتخطى أسوار البيت المُضاء والمحروس من أصحابه المتسلحين بثلاثية بولس الذهبية "الإيمان والمحبة والرجاء" (أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الخَلاص).
هذه تقنية رائعة ومكفولة النتائج ومجّانية، يستطيع كل ذي إرادة صالحة إمتلاكها فهي ليست حكراً على "النخبة" ولا على أي فئة من الناس، حتى الفقراء والمحتاجين والمهمّشين واللصوص والزناة يستطيعون إمتلاكها!! في إنجيل اليوم نرى أن الفقير لعازر إمتلك هذه التقنية مع أنّه من المعدمين والشحّاذين على باب الغني!! قد يظنّ البعض أن الغني ربح المعركة لكنه خسر الحرب أي أنه خسر ذاته فما نفع الانسان إن ربح العالم وخسر نفسه؟!

والربح والخسارة في هذا المشهد موضوعهما الانسان بذاته، ليس شيئاً خارجاً عنه أو يمتلكه بل هو بجوهره وكينونته، ومدته الأبدية فالخسارة لا تعوّض والربح لا ينتهي بل يدوم إلى الابد.

ظنّ الغني أنه يستطيع أن يشتري الملكوت (التقنيات) وبالطبع خاب ظنّه فهو "مات ودُفن" والتراب كان كفيلاً بإهلاكه مع ممتلكاتهِ، فهو امتلك بذور فنائه التي احتفظ بها لتلك الساعة.

أما لعازر فقد امتلك بذور الحياة الأبدية "الإيمان والمحبة والرجاء" وها هو في اللحظة الحاسمة، حيث لا ينفع أي شيء من صنع بشري، يجلس في حضن إبراهيم "وَمَاتَ المِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ ٱلمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم" ويدخل فرح سيّده وطبعاً يرث الحياة الأبدية.


يقول المشككون والساخرون والمجدفون وقساة القلوب والممتلئين من ذواتهم: "من ذهب إلى هناك وعاد حيّاً" أما الجواب فهو بسيط نابع من حياة المساكين المؤمنين برحمة الرب والمترجّين قيامة الاحياء والاموات الذين سمعوا كلام الرب وعملوا به ومن هذا المشهد الانجيلي دون خوف أو تخويف ودون مقدمات وتحليلات وبراهين واختبارات.. الجواب بكل بساطة: نعم هناك من ذهب إلى هناك وأخبرنا بما رأى وشاهد وهو يسوع المسيح القائم من الموت.
لن يقوم أحدٌ من بين الأموات ويأتي إلينا محذراً ومترجيّاً أن نغيّر سلوكنا، لأن يسوع بذاته قام بهذه المهمة الكبيرة وذاق مرارة الموت من أجلنا وكان من قبله موسى والانبياء وهناك ملايين الشهادات الحيّة التي أدّاها الابرار والصديقين بأمانة وبطولة.. هذا هو الوقت المثالي لأخذ القرار المناسب لأن الفرصة ذهبية يجب إقتناصها، ربما لن يكون بمتناولنا فرصة أخرى، "فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح، الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين".

" كـُن يا رب، غافرًا للموتى المؤمنين الذينَ خُلـِّصوا بِموتِ ابنِكَ الوَحيد. فإذا خَلـُصنا مِنَ الموت، ونَجونا مِنَ الجَحيم، ونَهَضنا مِنَ مطامير التـُراب، عظـُمَت علينا وَعلى أمواتِنا نِعمة ابنِكَ الوَحيد الذي نرجو بواسِطـَتِه نَوالَ المَراحمِ وغُفرانَ خَطايانا وخطاياهُم." (صلاة من القداس الماروني)


أحد مبارك


/الخوري كامل  كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.