HTML مخصص
09 Apr
09Apr

لا شيء أصعب على الإنسان من الموت، أمامه يسقط ويتغير وينتهي كل من يتحرّك على الأرض.

لا شيء يُقلق الإنسان أكثر من الموت، لأن الفناء مصيرٌ محتوم لا مفرّ منه، فمن دخل الحياة دون إرادته مولوداً سيخرج منها دون إرادته مائتاً.

يشوّه الموت كلّ جمال، صورته بشعة، رائحته نتنة، فالقبر ظالمٌ مخيف تسرح فيه الديدان، تنهش الجسم البشري وتحوّله في أيّام معدودة إلى "لا أحد" أو "لا شيء" أو "حفنة تراب" في مكانٍ مقفل بارد بعيد يُسمّى القبر مفرداً أو المقبرة جمعاً.

هذه "بعضٌ" من حقيقة الموت العارية العابرة كل العصور وكل الأجناس وكل الطبقات وكل العقول، الخاطفة أنفاس كل بشريّ، هو "كأسٌ مرٌ على كل الناس".

هل يمكن لأي إنسان أن يكون عصيّاً على الموت؟ هل يمكن دخول معركة الموت وهزيمته؟ كيف يمكن الإنتصار على هذا العدوّ الكاسح؟ كيف يمكن تطويع الهزيمة وتحويل الإنكسار إلى إنتصار والموت إلى حياة؟يقول الناس: "لم يعد أي إنسان من الموت ليخبرنا ماذا سيكون مصيرنا" وفي ذلك يأسٌ واستسلام واعتراف بالهزيمة أمام الموت.

لكن بولس الرسول له رأيٌ آخر!! في الحقيقة ليس مجرّد رأي، بل اختبار شخصي عميق مبني على الإيمان المطلق بشخص يسوع بعدما إلتقاه على طريق دمشق.

المسيح قام من بين الأموات، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها. لا أحد يمكنه إثبات عدم قيامة يسوع من بين الأموات.

شكّك كثيرون وتنكّر آخرون، لكن لم يستطع أي أحدٍ إعطاء برهان قاطع أن يسوع مات ولم يعد موجوداً بعد الموت.

بعد الصلب والموت والقبر قام من بين الأموات منتصراً على كل أشكال الموت "وآخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ المَوْت".

فإذا كانت المعادلة القديمة تقضي: "أَنَّهُ في آدَمَ يَمُوتُ الجمِيع" فإن المعادلة الجديدة أقوى وأبقى وهي تقضي أنّه: "في المَسِيحِ سيَحْيَا الجَمِيع".

باختصار كلّي يدفعنا بولس الرسول ومعه ملايين الإختبارات البشرية إلى خوض تلك المعركة مع يسوع وإبطال آخر عدو وهو الموت.

يونان خاض هذه المعركة قبل المسيح وانتصر، واليوم يستطيع أي إنسان أن يخوض هذه المعركة مع المسيح وينتصر.

سوف نواجه تلك المعركة مع المسيح أو من دونه، فالموت آتٍ لا محالة و"ساعته" تقترب كل ساعة.

فالسؤال ليس عن الموت بل عن الحياة، من ينتصر بعد المعركة؟ نحن نعيش خدمةً للموت أو الحياة؟

تُبعدنا إنشغالاتنا عن حقيقة الموت، ننسى أننا مائتون حتماً والقبر سيُغلق علينا في العاجل أو الآجل من الأيام!

من منا يستطيع أن يعبِّر عن الضيق الذي شعر به يونان داخل جوف الحوت؟ الذي يشبه جوف القبر!! ماذا كانت أفكاره؟ ماذا حلّ بعقله وحركته ومخيلته وبصيرته وإمكانياته عندما إنقطع عنه الهواء ولم يعد يرى أي بصيص نور أو أملٍ بالنجاة؟ ربّما في تلك اللحظات القاسية، لحظات الغرق في مياه البحر المالحة، يشتهي الإنسان الموت وهو شعورٌ أقسى من الموت!! عندما نطفو على بحر مالح من الهموم، ونغرق في جوف "حوت" المشاكل المستعصية نجد أنفسنا في ظلام دامس من اليأس، نظنّ في تلك اللحظات الأليمة أن الموت هو الخلاص!! أو أننا نلتحم مع المسيح الذي دخل معنا في جوف القبر، الذي أصبح، من شدّة حبّه لنا، مدفوناً معنا، ومن هناك نقفز فوق القبر، خارج الجوف، ونصلّي بالقلب والفكر والمشاعر والأحاسيس والأحلام، فنرتفع فوق "المصيبة" كما فعل يونان "فصلى إلى الرب إلهه من جوف الحوت"..

في تلك اللحظة الحاسمة شعر يونان أن المياه المالحة تحوّلت إلى نهر يُحيط به.

وسط هذه الضيقات الرهيبة يملأ الرب المؤمن به من روحه فيعزّيه بالرغم من آلامه وسط المحنة فيتحوّل الفراغ القاتل إلى رجاء مُحيي.

لا أحد يستطيع دخول القبر مائتاً والخروج منه حيّاً سوى يسوع المسيح.

هو الوحيد الذي دخل الموت وانحدر إلى جحيمه، ليَسمع صوت المتضايقين والمتألمين الحاملين صليب المرض ومرارة العيش والنفس، وصل إلى أعمق بؤرة ألمٍ يُمكن أن يصلها إنسان وهناك جعل عرش مملكته وسط جلجلة الإنسان.

"إِلى الرَّبِّ صَرخَتُ في ضيقي فأجَابَني مِن جَوفِ مَثوى الأمَواتِ" (يونان)
وسط تلك الجلجلة المرّة، داخل الضيقات، يجد المؤمن التعزية بالقرب من يسوع وحده "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" عِوض الظلمة الهالكة تُشرق له أنوار الحياة، عِوض سجن القبر تفتح أمامه أبواب الحريّة، عِوض الفناء في جوف الموت ورائحته النتنة يجد مخرجاً إلى واحات جديدة من السعادة الخالدة.
"كما دخل الموت بإنسانٍ واحد يخرج بإنسان واحد: معادلة تتجدد كل يوم"
أستغرب كيف ننسى أنّ لنا صديق يجلس معنا في بؤرة الموت الخانقة، في ساعة التخلي الباردة، ساعة الصليب الجافّة، ساعة الإنحدار الحرّ صوب الهاوية، في تلك اللحظات الأليمة الحاسمة قبل الفناء الكلّي يُفجّر فينا الرب "صديق المتألمين" ينابيع الحياة فتجري كأنهارٍ في عروقنا المائتة.
يمكن لأي شخص إنكار أو رفض قيامة يسوع، لكن لا يمكنه إثبات عدم وجودها، هي متوفرة وممكنة لمن يُريد.

لا زالت مفاعيلها قائمة حتى اليوم، ولا يوجد بديل آخر في أيّ آخر..
أستغرب جداً كيف يرفض من وصل إلى جوف الحوت أو القبر إمكانية الخروج والقيامة!!

وأستغرب أكثر كيف أصبحنا نغرق في المياه المالحة ومن جوفه تخرج أنهار الحياة!! وأستغرب أكثر وأكثر كيف يمكن للأعمى ألاّ يطلب النور أو الغريق ألاّ يطلب النجاة أو الكسيح ألاّ يطلب الحركة أو المائت ألاّ يطلب نعمة القيامة!!
يكون إبطال المرض بالشفاء، وإبطال الظلمة بالنور، وإبطال الحرب بالسلام، وإبطال الخطيئة بالتوبة، وإبطال الموت بالخلود.
أكبر عدوّ للإنسان هو الموت، وآخر عدوّ يُهزم هو الموت، وأكبر كارثة للإنسان هي القبر والكارثة الأكبر أن يرفض التحالف مع يسوع وبالتالي إمكانية الخروج من مثوى العفن وهوّة الإندثار إلى حيث الراحة الدائمة "لكِنَّكَ أَصعَدتَ حَياتي مِنَ الهُوَّة أيَّها الرَّبُّ إِلهي".. حيث ينتظرنا العريس القائم من الموت وننشد مع كل القائمين: "المسيح قام حقاً قام ونحن شهودٌ على قيامته"..

المسيح قام


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.