HTML مخصص
08 Feb
08Feb

قد يتّهمني البعض بالهلوسة أو الجنون أو الغباء إن طلبتُ من أبينا البطريرك بشارة الرّاعي تقديم طلب رسمي إلى السّلطات الرّسميّة في سوريا وفي مقدّمها رئيس الجمهوريّة لشراء قطعة الأرض في حلب المبنيّة عليها كنيسة مار سمعان العمودي، منذ حوالي ألف وخمسمائة سنة، بهدف ترميمها وإعادة الحياة إليها بعد تدشين مذبح جديد فيها وتعيين كاهن راع صالح لها..


وهكذا لا تبقى معلماً أثريّاً سياحياً، لا حياة فيه، يحوي هياكل وأنقاض، بل يصير محجّاً للمؤمنين والسّياح من كلّ أقطار العالم، ويتمّ إدراج هذه الكاتدرائيّة المهيبة التي تصير تابعة لأوقاف الكنيسة المارونيّة الأنطاكيّة، على خريطة السّياحة الدينيّة العالمية بعد أن يصار إلى تصنيفها وحمايتها من قبل منظمة الأونيسكو التي تساهم في الدعاية والتّرويج لها عالمياً وبكلّ الوسائل التكنولوجية المعتمدة وعلى أعلى المستويات.. وقد يزورها قداسة الحبر الأعظم ليصلّي فيها ويتبارك من مذبحها المقدّس ويقدّم إليها هدية تبقى ذكرى للتاريخ.. في يوم من الأيام الآتية وفي عهد من العهود القادمة.. !


إنّه حلم، لا بدّ من أن نحقّقه، باتّكالنا على الله وتعاوننا وتعاضدنا وإبداعنا ومحبّتنا التي تجترح العجائب !


هل كثير علينا إعادة ضخّ الحياة في هذا المعبد المسيحي، الذي شقع حجارته رجال مؤمنون بالله واثقون بأنفسهم.. ولو بعد مئات السّنين، من الظّلم والظّلام والنّسيان والاضطهاد والهجرة والفراغ وغياب الحضور المسيحي الفاعل في تلك البقعة من أرض الشرق، وهو الذي كان يعجّ بالمصلّين الذين تجمعهم القداديس والصّلوات والاحتفالات الليتورجيّة في رحاب بيت الله هذا، والّذي تمّ بناؤه حول العمود الذي تنسّك فوقه مار سمعان معتزلاً ضوضاء العالم، وهو أوّل تلميذ لمار مارون أب الطائفة المارونيّة الذي نحتفل بعيده في ٩ شباط من كلّ سنة، ونطلب شفاعته كما نطلب شفاعة كل القديسين وعلى رأسهم مريم العذراء أم يسوع ربّنا وإلهنا وفادينا ومخلّصنا وقائدنا، أمنّا السّاهرة أبداً علينا.. وشفاعة مار يوسف أب العائلة المقدّسة !


أدعو الجميع للهروب الشجاع من حضيض الواقع المرير إلى فضاء الحلم الحلو !

كما أدعو بشكل خاص غبطة أبينا البطريرك بشارة الرّاعي والسّادة المطارنة والكهنة والشّمامسة والشّيادقة والرّهبان والرّاهبات وكلّ أبناء البيعة المقدّسة، الأعضاء الحيّة في كنيسة المسيح، لمشاركتي هذا الحلم الجامِح الذي راودني اليوم في يقظتي.. وأطلق العنان لنفسي لتحلّق في عالم الخيال.. وبعد التمتّع بجمال المستحيلات، تعود لتغطّ على أرض الواقع الصادم بقساوته!


على الرّغم من مرارة ما نعيشه، أنظر إلى الشّمس التي تشرق كل يوم، على الأبرار والأشرار، وأشكر الله على كلّ بزوغ جديد، على كل نعمه وخيراته وعطاياه، أتشجّعُ، وألتفتُ إلى قدّيسينا الأبطال وشهدائنا الأبرار، عبر التاريخ، جيلاً بعد جيل، أناجيهم، أستقوي بهم، أخشعُ أمام صلواتهم التي تسمعها روحي، وأغتني بتضحياتهم وصمودهم وإيمانهم وحفظهم وديعة الإيمان، على وقعِ شقعِ حجارة إيمانهم، ورنين معاولهم المُضرّجة بعرق زنودهم وجباههم الشامخة شموخ أرز الرب الخالد.. أنحني بكلّ حواسي أمام عطاءاتهم وأمام كلّ عظة بل كلّ كلمة خَرَجَت من قلبِ كلّ مؤمنٍ بالثالوث الأقدس ولا سيّما من كلّ مكرّس نطق بها لتلمسَ قلوب المؤمنين، وتربّي أبناء الرّعية التربية الصّالحة، وتنشئهم على التّجذّر في أرض الأجداد، على ضوء تعاليم الإنجيل المقدّس وتبني كنائس بيتيّة على صخرة المسيح!


ألا يجب أن نخجل من مار سمعان، ومن مار مارون، ومن كلّ قدّيسينا، بل من ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي نترك كنيسته خربة تنعقُ فيها الغربان، يطويها النسيان، تسرحُ فيها الذّكريات، تخنقها الوِحدة، يتنزّه فيها الفراغ، تأسرها الغربة.. يزمجر فيها الضّجر ويسود الظّلام.. ؟!


كنيستنا المسيحيّة المارونيّة السّريانيّة الأنطاكية، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكرسيّ الرّسوليّ في الفاتيكان، تدعونا إلى التشمير عن زنودنا، وأخذ المبادرات وعدم التحجّج بالظروف مهما كانت، فنحذو حذو السلف الصالح الذي تحدى أعاصير الدّهور وصروفها، قاوم وصمد وبنى وصلّى وصام وضحّى وروّض الطّبيعة حيث طوّع الصخر لخدمته التزاماً بقضيته الروحية الوطنية المقدّسة!

لا ينقصنا التّصميم، ولا تنقصنا الأدمغة، مكرّسين وعلمانيّين، للتّخطيط ووضع استراتيجيّات إصلاحيّة نهضويّة للخير العام، والبدء بالأولويات.. لندهش العالم بإنجازاتنا التي تحاكي مجد لبنان الذي أعطي لبطريركنا.. أي لنا!


قد يسارع البعض إلى القول أنّ ترميم كنيسة مار سمعان وغيرها من الكنائس في سوريا وبلاد أنطاكيا وآفاميا.. ليس من الأولويات حالياً، وكنيسة المسيح ليست حجراً بل بشراً !


أردُّ بكلّ بساطة أن هذا صحيح.. ولكن من قال أنّ أعمال الترميم ستبدأ غداً؟! ومن قال أن الرئيس السوري سيوافق على تنفيذ هذا المشروع؟! ومن قال أن البطريرك الرّاعي سيتلقّف مبادرتي ويرفع هذا الطلب رسميّاً إلى الرّئيس السّوري؟! كيف يتمّ تسديد ثمن هذا الموقع الأثريّ ذي المساحة الواسعة في ظلّ الضائقة الماليّة في لبنان.. أو من أين التمويل؟ وتكثر الأسئلة والعراقيل والمطبّات والكلمات السّلبيّة !


لا شيء من كل هذا يمنع الحلم ولا شيء يستطيع أن يعيق مشروع الله ويمنع أن يتم بحسب تدبيره وفي التّوقيت الّذي يريده ومن خلال الأشخاص الّذين يختارهم.. ولو بعد طول انتظار !


ها إنّي قد قلتُ كلمتي وأمشي غير آبه بالثّرثرات.. وأفتخرُ وأفرحُ بكلّ من يؤيّد هذه المبادرة ويشجّعها ويصلّي على نيّة تنفيذ هذا المشروع الإستثنائي.. و"من كان الله معه فمن عليه؟"


وأظلّ أردّد مع بولس رسول الأمم: "أنا قويّ بالّذي يقوّيني"!



/سيمون حبيب صفير/

٧ شباط ٢٠٢٣

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.