HTML مخصص
23 Mar
23Mar

ما أن خيَّم الظلام على الدير ودخل كل راهب إلى قلّايته يتلو مزاميره ويرتّل تسابيحه ويتأمّل إنجيله، حتّى خرج الراهب الأُمّي بهدوء من قلّايته، وتسلّل خارج منطقة القلالي وعند الطافوس جلس يبكي وهو يعاتب ربّه أنّه غير قادر على حفظ المزامير ولا حتّى على تلاوة الصلاة الربّانيّة...وأخيرًا بقِيَ يردْد المقطع "أبانا الذي في السموات" وهو يفكّر في أُبوه الله ويلهج بالشكر من أجل عمل الخلاص.

ما إن طرق الراهب باخوم باب قلّاية رئيس الدير بإصبعه ثلاث مرات وهو يقول "أغابي"، كعادة الرهبان حتّى فتح الرئيس الباب وقبَّل كل منهما الآخر:

- سلام يا أبي... جئت أُعاتبك في محبّة.

- خيرًا.

- لعلّك تعرف الراهب الجديد.

- أعرفه تمامًا... إنسان بسيط ومُحب.

- هذا لا شكّ فيه، لكن كيف يلبس زيّ الرهبنة وهو لا يعرف القراءة في الكتاب المقدّس، ولا يحفظ المزامير، ولا حتّى الصلاة الربّانيّة.

- من قال لك هذا؟

سامحني يا أبي وأغفر لي... فقد شدَّني منظره في الصلاة.

كنت أشعر أنّه قائم في السماء.

تطلَّعت إليه فوجدت حركات شفتيه رتيبة.

وقفتُ بجواره فوجدته يُكرّر العبارة: "أبانا الَّذي في السموات" دون سواها.

صمت الرئيس قليلًا، ثمّ قال:

"أترك لي هذا الأمر يا أبي"،وإنصرف الراهب باخوم.

إرتبك رئيس الدير بسبب هذا النقاش، ولم يعرف ماذا يفعل، فإنّه يحبّ الراهب البسيط ولا يريد أن يطرده، وفي نفس الوقت لا يقدر أن يكسر قانون الدير حتَّى لا يهمل الرهبان التأمّل في كلمة الله والصلاة بالمزامير والتسبيح.

وفي اليوم التالي إلتقى الرئيس بالراهب، وبعد حديث ليس طويل سأله الرئيس:

- هل تحفظ المزامير يا أبي؟ أرجوك، عرّفني كم مزمور تحفظه عن ظهر قلب؟

- سامحني يا أبي، فإنّي أردّد في صلاتي ما حفظته.

- لابدّ لي أن أعرف، لأنَّ قانون الدير يستوجب حفظك أجزاء من الكتاب المقدّس والمزامير والتسبحة.

- إنّي حفظتُ قدرما إستطعت يا أبي.

- إن كنتَ لا تحفظ فسأضطرّ أن أطلب منك مغادرة الدير حتّى لا تسبّب بلبلة في الدير.

- هل تسمح لي أن آخذ معي قلّايتي؟

- أتمزح؟

- لا يا أبي فإنِّي أودُّ ألّا أفارقها.

ولكي ينهي الرئيس الحديث قال له: خذها إن أردت.

عندئذٍ صنع الراهب مطانيّة أمام رئيس الدير، وفعل ذات الشيء أمام الراهب... وذهب الراهب إلى المخزن وأحضر حبلًا طويلًا طوَّق به قلايته... وصار يسحبها وهو يقول :
"سيري يا مبروكة"...

وكم كانت دهشة الآباء حين رأوا المبنى يتحرّك وراءه حتى خرج إلى أميال.

وإستقرّ ليعيش فيه الراهب البسيط المُتوحّد، الَّذي لم يقدر أن يحفظ شيئًا عن ظهر قلب؟



"تَوَاضُعُ الرُّوحِ مَعَ الْوُدَعَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ مَعَ الْمُتَكَبِّرِينَ"

(سفر الأمثال ١٦: ١٩)


#خبريّة وعبرة
خدّام الرب ®

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.