HTML مخصص
19 Sep
19Sep

يروي الإنجيل اليوم أنه في طريقهم إلى أورشليم، كان تلاميذ يسوع يَتَباحَثونَ فيمَن هُو الأَكبَر بينهم. عندها وجَّه إليهم يسوع عبارة قوية، تصلح لنا نحن اليوم أيضًا: "مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القَوم، فَليَكُن آخِرَهم جَميعًا وخادِمَهُم".


من خلال هذه العبارة الوجيزة، يفتتح الرب انقلابًا: فهو يقلب المعايير التي تحدد ما هو مهم حقًا.


لم تعد قيمة الشخص تعتمد على الدور الذي يلعبه، وعلى نجاحه، وعلى العمل الذي يقوم به، وعلى أمواله الموجودة في البنك؛ لا، إنَّ معيار العظمة والنجاح، في نظر الله مختلف تمامًا: يتم قياسهما على أساس الخدمة.


ليس على ما يملكه المرء، وإنما على ما يُقدمه. هل تريد التفوق؟ أخدم.


واليوم تبدو كلمة "خدمة" باهتة بعض الشيء، وقد اُسْتُنزِفَت بسبب سوء الاستخدام.


لكنها في الإنجيل تحمل معنى دقيقًا وملموسًا.

إنَّ الخدمة ليست تعبيرًا عن مجاملة: بل أن نتشبّه بيسوع، الذي لخّص حياته في بضع كلمات، قال إنه جاء "لا ليُخدَمَ، بل ليَخدُم".


لذلك، إذا أردنا أن نتبع يسوع، علينا أن نسير الدرب الذي رسمه، درب الخدمة.


إنَّ أمانتنا للرب تعتمد على جهوزيّتنا للخدمة. وهذا الأمر غالبًا ما يكلف، "وله طعم الصليب".


ولكن، فيما تنمو العناية والجهوزيّة إزاء الآخرين، نصبح أكثر حرية في الداخل، أكثر تشبُّهًا بيسوع.


وكلما زادت خدمتنا، زاد شعورنا بحضور الله.


لاسيما عندما نخدم الذين ليس لديهم ما يبادلوننا به، أي الفقراء، ونعانق صعوباتهم واحتياجاتهم بشفقة حنونة: هناك نكتشف بدورنا أنَّ الله يحبُّنا ويعانقنا.


أضاف الأب الأقدس يقول ولكي يوضح ذلك بعد أن تحدث عن أولوية الخدمة، قام يسوع بتصرُّف.

أخذ طفلاً ووضعه بين التلاميذ، في الوسط، في المكان الأكثر أهمية.


إنَّ الطفل في الإنجيل لا يرمز إلى البراءة بقدر ما يرمز إلى الصغر. لأن الصغار، مثل الأطفال، يعتمدون على الآخرين، وعلى البالغين، ويحتاجون لأن يأخذوا ليعيشوا.


احتضن يسوع ذلك الطفل وقال مَن قَبِلَ واحِدًا مِن هؤُلاءِ الأَطْفالِ فقَد قَبِلَه.


هؤلاء هم أول أشخاص ينبغي علينا أن نخدمهم: الذين يحتاجون إلى أن يأخذوا وليس لديهم ما يبادلوننا به.


من خلال قبولنا للمهمشين والمُهمَلين نحن نقبل يسوع لأنه موجود هناك.


وفي الطفل أو الرجل فقير الذي نخدمه، ننال نحن أيضًا عناق الله الحنون.



لنسأل أنفسنا بعض الأسئلة: أنا الذي اتبع يسوع، هل أهتمُّ بمن هو مُهمل؟ أو، مثل التلاميذ في ذلك اليوم، أبحث عن إشباع مطامعي الشخصية؟ هل أفهم الحياة كمنافسة لكي أفسح المجال لنفسي على حساب الآخرين أم أعتقد أن التفوق يعني الخدمة؟ وبشكل ملموس: هل أخصص وقتًا لبعض "الصغار"، لأشخاص لا يملكون الوسائل لكي يبادلونني بالمثل؟ هل أعتني بشخص لا يمكنه أن يبادلني بالمثل أم فقط بأقاربي وأصدقائي؟


لتساعدنا العذراء مريم، أمة الرب المتواضعة، لكي نفهم أن الخدمة لا تجعلنا ننقص، بل تجعلنا ننمو وأنَّ السَّعادَة في العَطاءِ أَعظَمُ مِنها في الأَخْذ.

(البابا فرنسيس)


نهار مبارك



/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.