HTML مخصص
31 Oct
31Oct

سيمون حبيب صفير



يحقّ لي أن أتحفّظ، وبطريقة مبدأية، مُبدياً رأيي بما يخصّ نقمة البعض على المدارس المسيحيّة في لبنان.. إذ لا يجوز جلد الذات إلى هذا الحد، ولا أقول هذا دفاعاً عن أيّ مدرسة تتعامل مع أي تلميذ، تترتّب على ذويه مُستحقّات ومتأخّرات ماليّة، بطريقة لاإنسانية، تنافي الأخلاق وتجافي المبادئ وتتنكّر للقيم!



ويحقّ لأيّ كان أن يعبّر عن رأيه بالطريقة التي تناسبه إزاء مشاهد الظلم والعنف والتمييز التي تصدمه وتستثير حسّه الإنساني فيسخط ويثور!



وبصرف النظر عن الجشع والبطر والرأسمالية المتوحّشة التي تنتمي إليها غالبيّة المؤسسات التربويّة الخاصة في لبنان، من مدارس وجامعات، والتي لم تعد تَشبَع بحجة غلاء المعيشة والتزامها بزيادة الأجور، بالإضافة إلى كل التبريرات الأخرى، المقنعة منها وغير المقنعة، فلا بد من تسجيل موقف جامع استنكاراً لكلّ ما يجري في وطننا ضد حقوق الإنسان على المستويات كافة ومن زمان.. وبات السكوت عن الفساد جريمة!



الانتحار ليس هو الحل.. وأقول هذا منطلقاً من عقيدتنا المسيحية الثابتة التي تدعونا إلى احترام الحياة وعيشها وتحمّل مشقاتها من دون الاستسلام والاتكال على الله للنهوض من كلّ كبوة والخروج من كل تجربة.. وقد يصل البعض إلى درجة من اليأس والإحباط والشعور بالغبن والظلم ما يفقده ثباته في الإيمان فيفقد صوابه، لا سيّما بعد شعوره بالوحدة والعُزلة والعجز الكليّ، ما يؤدّي به إلى الانتحار!



وأنا لست طبيباً ولا مُحللاً نفسياً لأعرف ماذا حدث لهذا الرجل بالتحديد، وأقلّ ما يمكن التكهّن البديهي به أنه تلقى صدمة صاعقة لم يتحمّلها، وقد تكون ناتجة عن تراكمات وخيبات متتالية، ولم يعنه أحد للخروج السليم من مأزقه.. فكان ما كان من فاجعة!



لا تقتل: إنها وصيّة إلهيّة من ضمن الوصايا العشر!



وهنا نسأل، متأسّفين على فداحة المصيبة، ماذا استفاد هذا الأب، المرحوم جورج زريق، الذي أنهى حياته بإشعال النار في جسده، أمام المدرسة التابعة للكنيسة الارثوذكسية، في إحدى مناطقنا، والتي يحصّل أبناؤه في صفوفها العلم والمعرفة، على أثر مشكلة ذات خلفية مالية نشبت، كما يُشاع، بينه وبين إدارة المدرسة، فترك خلفه أرملة ويتامى يتخبّطون في مأساة فظيعة؟!



كلّنا نتحمل المسؤوليّة الاجتماعيّة الإنسانيّة والتعاونيّة!


التنظير لا ينفع.. ولكن ألا يوجد حلول إيجابيّة أخرى، كان بالإمكان اعتمادها كاستضافة هذا الأب في برنامج تلفزيوني، كما نشاهد في أكثر من محطة، حيث يمكنه أن يعرض مشكلته لإيجاد حلّ مشرّف يحفظ كرامته كربّ عائلة، إذ قد يتم جمع مبلغ من المال من متبرّعين وأصحاب أيدٍ بيضاء، تقدّم إليه لمساعدته وسدّ حاجته، وقد يتمّ تأمين وظيفة أو أيّ عمل لائق له يقيه العوز إذ يؤمّن له مدخولاً ماليّاً يرفع من مستواه المعيشيّ مع عائلته، هذا في حال لم تتجاوب معه المؤسّسات والجمعيّات الاجتماعيّة الخيريّة التي قد يلجأ إليها لطلب المساعدة والعون.


الحلّ في التعاضد و"العونة" واعتماد استراتيجية تربوية حكومية تساعدها وتساندها الكنيسة ومؤسساتها التربوية حيث يجب.. واعتماد سياسة التوأمة والتبني محلياً وخارجياً، بحيث تتبنّى مؤسسات أو أفراد أو جمعيّات أو منظمات إنسانية أو عائلات ميسورة لبنانية وأجنبية عائلات لبنانية فقيرة ترعاها وتنفق عليها وتحميها وتؤمن لها سبل العيش الكريم..



الحل في المساواة والعدالة الاجتماعية وتقديس كرامة الإنسان كائناً من كان!


الحل في صحوة الضمير!


فلنصحُ ونصحِّ الكسالى المتراخين الغارقين في ثبات الضمير العميق السحيق!


وليكن كلٌّ منا ذلك السامريّ الصالح الذي يحدّثنا عنه الإنجيل المقدّس، حيث صنع رحمة مع ابن جنسه، على الرغم من أي اختلاف، وهو ذلك الرّجل الذي اعترضه لصوص وضربوه وتركوه مرمياً على الأرض بين حي وميت، فاعتنى به أي اعتناء، وتابع حال استشفائه، وسدّد كل ما عليه وأكثر، وهكذا رسم لوحة مُشرقة لرحمة الإنسان لأخيه الإنسان، أمام أعين الرب، وعاش المحبة بسموّها وقدسيّتها وكمالها وجمالها.. ليدهش عيوننا والضمائر وليحثّنا لحذو حذوه!


على دولتنا، قبل كنيستنا، (ونحن الكنيسة مُكَرَّسين وعلمانيّين) بكل مؤسساتها، ولا سيما الدستورية والتربوية والاستشفائية منها، أن تكون نظيرة السامريّ الصالح.. لتنعدم شكوى الشعب الذي يوقّع عقد بل معاهدة شراكة حقيقية مع دولته التي يرقى بها فترتقي به، ويشرب الجميع نخب العدالة الاجتماعية والمساواة.. نخب تنفيذ بنود شرعة حقوق الإنسان في لبنان الوطن الرسالة!


إنه حلم.. بعملنا وتضامنا واتحادنا واستثمار وزناتنا نجعله حقيقة معيوشة!



/سيمون حبيب صفير/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.