HTML مخصص
27 Sep
27Sep

لماذا التجديف على الروح القدس لن يُغفَر؟


لقد أجاب القدّيس توما الأكويني على هذا السؤال بتفسيره أنّ هذه الخطيئة غير قابلة للغفران بطبيعتها لأنّها تفتقر إلى المقوّمات التي يرتكز عليها غفران الخطايا.


فإنّ هذه الخطيئة لا تُرتَكب حين يقوم إنسان ما بالتفوّه بكلام نابٍ على الروح القدس؛ إنّما جوهر هذه الخطيئة يكمن في رفض الإنسان تلقّي الخلاص الذي يقدّمه الله الآب للإنسان بواسطة الروح القدس باستحقاق ذبيحة الابن على الصليب.


إذا رفض الإنسان كشف خزي الخطيئة، هذا الكشف الآتي من الروح القدس، والذي يحمل طابعًا خلاصيًّا (يوحنا 16: 8)، فإنّه يرفض في الوقت نفسه مجيء الروح القدس.


هذا المجيء يتجسّد من خلال السرّ الفصحى باتّحاد مع قوّة الخلاص لدم الربّ يسوع المسيح، هذا الدم الذي "يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعبدَ اللهَ الحَيّ" (العبرانيين 9: 14).


نحن نعرف أنّ ثمرة هذا التطهير هي غفران الخطايا.


وبالتالي، فإنّ مَن يرفض الروح والدم (1يوحنا 5: 8) يبقى في "الأَعمالِ المَيْتَة" أي في الخطيئة.


إنّ خطيئة التجديف على الروح القدس تكمن في الرفض المُطلق لهذا الغفران الذي يُشكّل الروح القدس نبعًا له، ويُشكّل الارتداد الحقيقيّ الذي يقوم به الروح في الضمير شرطًا أساسيًّا له.


إن قال يسوع: "كُلُّ خَطِيئَةٍ سَتُغْفَرُ لِلنَّاس، وكُلُّ تَجْدِيف، أَمَّا التَّجْدِيفُ عَلى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَر لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي"، فذلك لأنّ عدم الغفران هذا مرتبط بعدم التوبة أي الرفض المطلق للارتداد.


ولا يمكن أن تغفر الخطيئة بفعل من الله دون شرط تغيير روح الإنسان وقلبه.


ويعلق البابا فرنسيس " الخطيئة ضد الروح القدس هي خطيئة لا يمكن أن تغفَر لأنها تنطلق من إغلاق القلوب أمام رحمة الله الذي يعمل في يسوع" (عظة البابا فرنسيس 2018-06-10).


ويعلق البابا القديس يوحنّا بولس الثاني في الرسالة العامة "إن التجديف على الروح القدس هو الخطيئة التي يرتكبها الإنسان الذي يطلب "حقّ" البقاء في الشرّ – أي في حال الخطيئة مهما كانت – ويرفض الخلاص بذات الفعل. هكذا يبقى الإنسان محبوسًا في الخطيئة جاعلاً من المستحيل توبته، وبالتالي أيضًا غفران خطاياه الذي يعتبره غير ضروريٍّ وغير ذي أهمّية لحياته.


نحن هنا أمام حالة من الدمار الروحي لأنّ التجديف على الروح القدس لا يسمح للإنسان بالخروج من سجن الخطيئة الذي أدخل نفسه إليه" ( Dominum et vivificantem، الفقرة 46).


ونستنتج مما سبق ان التجديف على الروح القدس هو الإصرار على مقاومة صوت الروح القدس الذي يبكت على الخطيئة داعيًا للتوبة (يوحنا 16: 8)، أي أن يصر الإنسان على عدم التوبة ومقاومة الحق حتى آخر نسمة من نسمات حياته.


لذا إصرار الإنسان على المقاومة لصوت الروح القدس ينطفئ صوته.


لذلك يحذِّر الرسول بولس "لا تُخمِدوا الرُّوح" (1 تسالونيقي 5: 19) " و "لا تُحزِنوا رُوحَ اللّه القُدُّوسَ " (أفسس 4: 30) وإذا انطفأ الروح داخل إنسان لعناده سُيصبح غير قادر على التوبة، لأنه لا يسمع صوت الروح القدس، وإذا يتوب لا تغفر خطيئته، وهذا هو التجديف على الروح الذي لا يُغفر.


نهار مبارك


/الخوري كامل كامل/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.