HTML مخصص
29 Dec
29Dec

سأروي لكم قصتي من البداية :


أنا حوريَّة أبلغ من العمر ستّون عاماً، لا أعمل ولم أُكمل دراستي، حظّي من الجمال قليل للغاية، لم يتقدَّم أحد لخطبتي حتّى تخطّيت الثلاثين، وفجأة تقدّم شاب قالت لي الوسيطة (الخاطبة) أنَّه شاب في الثالثة والثلاثين من عمره، لم يسبق له الزواج، يعمل مع والده في شركته الخاصّة ؛ وأحضرت صورة له، كان يبدو وسيماً للغاية، سألتُ نفسي :

إذن لماذا تقدّم لمن لا تمتلك شيء؟
وهنا علمتُ بالمفاجأة، أنّه فقد بصره في حادث منذ خمسة أعوام، وأجرى العديد من العمليّات، ولكن دون فائدة.


جلستُ أندب حظّي وأبكي، ولكن قالت لي جدّتي رحمها الله :

لعلّ في الضرير حياة يملأها العبير، أجلسي معه أوَّلاً ثمّ قرِّري.

وبالفعل جلسنا، كم هو رائع، خفيف الظل، يأسر القلب في ثوانٍ معدودة؛ تمّت خطبتنا وتزوّجنا في شهرين.

الحقيقة في البداية كنتُ خائفة للغاية من عدّة أشياء أوّلها ما رواه لي عن نفسه قبل إصابته في الحادث، كيف كان دائم السهر، يعشق الجميلات، ولا يحبّ المسؤوليَّة، والسبب الآخر أنَّه ربّما سوف يحملني ما لا أطيق من أعباء خاصّة به، ولكنّه فاجأني أنَّه يفعل كلّ شيء بمفرده، بل ويساعدني أيضاً، فقد تغيَّر تماماً وأصبحَتْ بصيرته عالية جدًّا، وأنجبنا أطفالنا الأربعة.

كان حنوناً للغاية، لم يشعرني مرَّة واحدة بعجزه، قام بكلّ واجباته كزوج وأب بلا تخاذل، أحببته بجنون، كنتُ مذعورة من فكرة عودة البصر له فيراني ويعود لحياته السابقة، فأنا لست جميلة.

ظلَّ يجاهد لسنوات ليزرع قرنية وكلّ مرّة تفشل العمليَّة، ومع ذلك لم يستسلم، فالله له حكمة في التأجيل، ومرّت عشرة أعوام كحلم، وفجأة تمّ التجهيز للعمليَّة ونجحت تلك المرَّة، وأخبرني الطبيب أنَّه أصبح يرى.


إنزويتُ في زاوية الغرفة، وضعت أمامه أطفالنا، ولم أتجرّأ على الإقتراب، ظلّ يُقبِّل في الصغار ثمّ أمّه وأبوه، وبعدها بدأ يتجوّل بعينيه في أنحاء الغرفة بحثاً عنّي، وعندما رآني قال عروسي الجميلة أخيراً رأيتكِ، جرَتْ الدموع من عيني، فقال :

إقتربي أريد أن أراكِ جيِّداً، كانت قدماي لا تحملني، أمشي بصعوبة، وعندما إقتربتُ ضحكَ وقال :

أجمل من ما تخيَّلت بكثير، وقبل يداي أمام الجميع.

ظلَّ شيطاني يأكل رأسي، لعلّه فعل ذلك حتّى لا يجرحني أمامهم، وسوف تتغيَّر معاملته تدريجيِّا، ولكن ذلك لم يحدث، فقد زاد حبّه ودلاله لي، وأنا أيضاً، فبالرغم من وجود الجميلات حوله في العمل والعائلة إلّا أنَّه لم ينظر لإحداهنَّ يوماً.

توفِّيَ والداي في حادث وإنطويتُ على نفسي من الحزن، فأخد مكان أبي وأمّي في غمضة عين، وإعتبرني إبنته الَّتي لم ينجبها، ومرَّت سنوات ولم يتغيَّر قيد أنملة، وأدركتُ فيها حكمة الله فيما فقد، فلولا أنَّه فقد بصره لم يكن ليراني من الداخل، وفعلاً صدَّقتُ جدّتي حين قالت :


«لعلَّ مع الضرير حياة يملأها العبير»




#خبريّة وعبرة
خدّام الربّ ®

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.