06 Aug
06Aug
إعلان خاص

على مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، لا تزال البلاد تمر بأزمة اجتماعية واقتصادية وصحية عميقة. يبقى الإطار السياسي إشكاليًا وغير أكيد والتعافي لم يبدأ بعد: يتمُّ البحث عن أساليب للهروب، وتزداد حالات الانتحار. عن هذه الأمور يتحدّث الأب اليسوعي أوليفر بورغ، الذي يشيد بتضامن الشعب يشجّع التزام الكنيسة.


بالنظر إلى الوضع في لبنان، اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي إطارًا للتدابير التقييدية المستهدفة التي تنص على إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولة عن المساس بالديمقراطية أو سيادة القانون في البلاد. وتشمل العقوبات حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد الأموال. في غضون ذلك، وعد رئيس الوزراء الجديد المكلّف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن في دولة تعاني من انهيار اقتصادي كامل. وفقًا لتحليل أجرته منظمة Save the Children، فقد زاد المبلغ لشراء الضروريات الأساسية بنسبة ٥٥٠ ٪ خلال العام الماضي. وعلى هامش هذا الإطار التقى موقع فاتيكان نيوز بالأب اليسوعي أوليفر بورغ الذي عاش في بيروت لمدة ١١ عامًا حتى عام ٢٠١٥، حيث كان مساعدًا روحيًا في الإكليريكية ومدرّسًا للاهوت الروحي في جامعة القديس يوسف، وعمل مع أطفال الشوارع، ولا يزال على اتصال دائم بالأصدقاء الذين تركهم هناك ويشعر دائمًا بألم في قلبه عندما يتحدثون معه عن "وضع كارثي".


يؤكّد الأب اليسوعي بأنه ليس متفائلاً للغاية بشأن مستقبل لبنان السياسي ولكن "المعجزات تحدث"، على حد قوله.

ونتمنى أن يدرك الجميع أنه لا يمكن للوضع أن يستمر على هذا النحو. ففي ٤ آب أغسطس من العام الماضي، وقع الانفجار العنيف في ميناء المدينة - الناجم عن كمية هائلة من نترات الأمونيوم المخزنة بشكل غير آمن لسنوات - مما أسفر عن مقتل أكثر من ٢٠٠ شخص وإصابة أكثر من ٧٠٠٠. ودمرت آلاف المنازل والمتاجر. ويتذكر الأب بورغ لقد نجا طلابنا ورئيسنا الإقليمي بمعجزة. في غضون ذلك، قبل أربعة أيام، أبدى رئيس الجمهورية ميشال عون استعداده المطلق للإدلاء بإفادته في انفجار مرفأ بيروت إذا رغب المحقّق العدلي بالاستماع إليه. للأسف، إنَّ التباطؤ في التحقيق هو واقع. والجو في بيروت متوتّر وهناك خوف من تظاهرات في الساحات في ضوء الرابع من آب، وإذ أعلن الحداد الوطني: طلب الشعب تسليط الضوء على ما حدث واستئناف التحقيقات بحزم وشفافية.


ويشير الأب أوليفر إلى آخر المعلومات الواردة من البلد: يقضي الناس ساعات في طابور لملء الخزان بالبنزين ولكن هذا الأمر ليس ممكنًا دائمًا، لأنه لا يوجد بنزين. حتى عندما يكون هناك بنزين - كما يوضح - بدلاً من بيعه في لبنان، يتم بيعه في السوق السوداء لسوريا التي تعيد بيعه للبنان بسعر أغلى. كذلك لا وجود للمازوت الذي يحتاج إليه الشعب أيضًا لأن الكهرباء التي توفرها الدولة مكفولة لساعات قليلة فقط منذ الحرب.


وبالتالي هو يحتاج للمازوت لأنه يعتمد على المولدات. كذلك يشير الأب اليسوعي إلى أن الأجور بقيت على حالها بينما انخفضت قيمة الليرة بشكل كبير. إنَّ راتب الموظف العادي هو ٥٠ دولاراً في الشهر. ولا يمكن فعل شيء بهذا المبلغ القليل.

فكيف يمكن للناس أن يبقوا على قيد الحياة؟ وبالتالي وحدهم الذين لديهم أقارب في الخارج والذين يرسلون لهم مساعدات اقتصادية هم القادرون على البقاء. ولكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الأمر؟ هذا هو السؤال المركزي؛ لم يعد الناس قادرين على شراء اللحوم أو الأسماك أو الحليب. وقد أخبرني رب عائلة أنه حتى عندما يكون هناك حليب في المتجر فإنهم يعطونه عبوة واحدة فقط، لأنَّ كل شيء مقنن. كذلك الحالة التي تجد فيها المستشفيات نفسها هي على شفير الانهيار وقد تفاقمت بسبب الوباء. يتم قبول حالات الطوارئ فقط، وليس لديهم أدوية وغياب الكهرباء يؤثر على عمل المعدات الطبيّة. ويسلط الأب بورغ الضوء أيضًا في هذا السياق على ظاهرة مزعجة واسعة الانتشار بشكل متزايد وهي حالات الانتحار اليومية.


تابع الأب بورغ يقول من "سويسرا الشرق الأوسط" - كما تم وصف لبنان غالبًا ولفترة طويلة – أصبح بلد الأرز "على الرصيف"، إن اجتهاد وكرم اللبنانيين يضرب بهما المثل ولكن إذا لم تكن لديك الوسائل فما العمل؟ أفضل الأطباء يهربون ولكن ليس لأنهم يريدون ذلك. هم لا يريدون الرحيل، لكن يشرح الكاهن اليسوعي ليس لديهم حل آخر. هناك أمثلة لا حصر لها لأشخاص كانوا ينتمون إلى البرجوازية وهم الآن بالكاد يعيشون على خط الفقر. يريد اللبنانيون لبنان الماضي لكنَّ هذا الأمر ليس ممكنًا في ظل الظروف الخطيرة التي يجبرون على العيش فيها.


وتختلط ذكريات وقصص الأب اليسوعي مع الاعتبارات التي تشير إلى الجيوسياسيات المريرة: "هناك على الدوام قوى تلاعب خارجي؛ والجميع لديهم أيادٍ طويلة على تلك المنطقة من العالم. إنه أمر محزن؛ وبالتالي إذا لم تقم الطبقة السياسية بفحص جيد للضمير ولم تقم بارتداد حقيقي وجذري، فهناك أمل ضئيل للبلاد. وتابع الأب أوليفر بورغ مشيرًا إلى أنَّ الكنيسة في لبنان تسعى لأن تكون محركاً للتضامن. إذ أنّه لولا هذا التضامن الذي حافظت عليه المنظمات غير الحكومية والأبرشيات في المنطقة لكان الأمر أسوأ. كما حدث أيضًا في الانفجار المأساوي في مرفأ بيروت. ويتذكر الأب بورغ كيف وقف الجميع حول كنيستهم، التي دمرت وأعيد فتحها منذ فترة قصيرة، لمواصلة إعداد وجبات الطعام للمسنين والفقراء في المنطقة، وقال لطالما كان اللبنانيون أقوياء في هذا الأمر. في عام ٢٠٠٦، تم قصف أهل الجنوب وفتح الجميع المدارس لاستقبال القادمين من هناك حتى لو لم يكن لديهم شيء، لكنَّ اللبنانيين معتادون على تقديم هذا اللا شيء. في غضون ذلك، تصلي جماعات أصدقاء لبنان حول العالم من أجل قيامة البلاد. وهذا الأمر يعني الكثير لأن اللبنانيين يعرفون هكذا على الأقل أنهم ليسوا وحدهم. وحقيقة أن البابا فرنسيس قد أعرب عن رغبته في زيارة لبنان يعطي الكثير من الرجاء والناس ينتظرونه بقلق وفرح، ويعرفون أن الراعي لا يترك القطيع أبدًا، وهو راعٍ حقيقي يعرف كيف يخاطب القلوب.



المصدر : فاتيكان نيوز

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.