HTML مخصص
04 Nov
04Nov


تقول الأسطورة إنّ ملك كريت سَجنَ إيكاروس في متاهةٍ لا خُروجَ منها، فصنع أجنحةً من شمعٍ وريش وطار.

وتغلَّبَ عليه دُوار النَّشوة في طيرانه فحلَّقَ نحو الشمس بشكل جنوني وذابت أجنحتُه.

لكنّه إستمرَّ بتحريك يديه، وأدركَ أخيرًا أنَّه بلا أجنحة، وسقط في البحر ومات. 


والعِبــــــرة :

١. جميعُنا يستنبطُ أحيانًا حلولًا غير واقعيّة لأوضاع يصعُب الخروج منها، لنكتشف بعد فوات أنّ الوضع الذي كنّا فيه أفضل من الوضع الذي انتهينا إليه، وأنّه لم يعُد بإمكاننا الرّجوع إلى الوضع السابق. ومن الأمثلة علاقات الزّنى والخيانة الزوجيّة والانفصال الزوجيّ والطّلاق...

٢. بعض الحلول التي نستنبطُها تُعطي نشوة ومُتعة. لكنّ النشوة والمُتعة لا تعني أنّ الحلّ الذي استنبطناه صحيح، بالرّغم من أنّه يحملُنا على المزيد من التّحليق. ومن الأمثلة، بالإضافة إلى التي ذكرنا، اللجوء المسكر والمهدِّئات والمخدّرات... وهناك أيضًا الغضب والتّعنيف والانتقام...

٣. بعض الحلول تحملُنا نشوتُها إلى الابتعاد عن الواقع بشكلٍ خَطِر. فإيكارس حملته نشوتُه إلى التَّحليق الجنونيّ نحو الشمس، وأدرك متأخرًا جدًّا أنّه ابتعد عن الواقع وصار في مكان خَطِر.

٤. الحلول غير الواقعيّة دائمًا مُكلِفة. إيكارس ذابت أجنحتُه ولم يُدرك أنّه اصبح بلا أجنحة. وكذلك نحن. عندما يتلاشى الحلّ الموهوم الذي ابتكرناه، يستغرقُنا وقتٌ لنُدرك أنّه لم يَعُد موجودًا. وكما استمرّ إيكارس في تحريك يديه، نستمرّ نحن في المحاولة رافضين أن نقتنع بفشلنا وتلاشي حلولنا.

٥. دُوار النشوة يُطيش العقل، كما يقول الكتاب. فإيكاروس في طيرانه تغلَّبَ عليه دُوار النَّشوة وحلَّقَ نحو الشمس بشكل جنوني، وكان ذلك سب هلاكه. فليست العبرة في التّحليق. فالتّحليق الذي يعقِبُه سقوطٌ لا معنى له، وليس تحليقًا ولا إنجازًا ولا حلًّا، لا سيّما وأنّه يُعطِّل العقل وينتهي إلى الأسوأ. أذكُرُ هنا التّعبير الذي يستعمله مُتعاطو المخدّرات getting high، والذي يعقبه سقوطٌ مُريعٌ.

٦. ملك كريت يُلام لأنّه سجن إيكاروس، لكنّه لا يُلام لأجل الكارثة التي انتهى إليها. كذلك يختلط الأمر على كثيرين، فيلومون مسبّبي الصعوبة لأجل البليّة التي انتهوا إليها، وهذا تبريرٌ باطلٌ لتسرّعهم وعدم تفكيرهم ليجدوا الحلّ الأمثل لوضعهم.

٧. في جميع الأمثلة أعلاه، وكثيرٌ غيرُها، ينتقل الشخص من سيّء إلى أسوأ. ويغيب عنّا اللجوء إلى الله بالصلاة والتماس الحلول منه، والتماس نوره ليهدينا إلى ما يجب علينا عمله، وهو بحسب حكمته يُغيّر الوضع الأساسيّ الذي كان سبب تهوّرنا.


#الأب أنطوان يوحنّا لطّوف

/خدّام الرب/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.