حَدَثَ لمَّا شاخَ إسحَقُ وكلّتْ عَيناهُ عنِ النّظر، أنَّهُ دعا عيسو ابنَهُ الأكبَرَ وقالَ لهُ: يا بُنَيَّ ! قالَ: لَبَّيك. فقالَ: هاءنذا قدْ شختُ ولا أعلمُ يومَ مَوتي. والآن خُذ أداتَكَ وجَعبَتَكَ وقوسَك، واخرُجْ إلى الصَّحراءِ وَصِدْ لي صَيدا، وأصلِحْهُ لي ألواناً كما أحِبّ، وأتِني بهِ فآكُل، لكي تُبارِكَكَ نفسي قبلَ أنْ أموت. وكانتْ رِفقة ُ سامِعة ً حينَ كلّمَ إسحَقُ عيسو ابنَهُ. فمضى عيسو إلى الصَّحراءِ ليَصيدَ صيداً ويأتي به. فكلّمَتْ رِفقة ُ يعقوبَ ابنَها قائِلة: إنّي قد سَمعتُ أباكَ يُكلّمُ عيسو أخاكَ قائِلاً: ائتِني بِصيدٍ وأصلِحْ لي ألوانا، فآكُلَ منها وأبارَكَكَ أمامَ الرَّبِّ قبلَ موتي. والآن يا بُنَيَّ اسمَعْ لِقولي في ما آمُرُكَ بهِ: إمضِ إلى الغَنَم، وخُذ لي مِنْ ثَمَّ جَديَيْن مِنَ المَعَزِ جَيِّدَيْن، فأ ُصْلحهُما ألواناً لأبيكَ كما يُحِبّ. فتُحضِرُها إلى أبيكَ ويأكُلُ، لكي يُبارِكَكَ قبلَ مَوتِه. فقالَ يعقوبُ لرفقة أمِّهِ: إنَّ عيسو أخي رجُلٌ أشعَرُ وأنا رجُلٌ أملس، فلعَلَّ أبي يَجُسُّني فأكونَ عندَهُ كالسَّاخِرِ منهُ، وأجلبَ على نفسي لعنة ً لا بركة. قالت لهُ أمُّهُ: عليَّ لعنَتُك يا بُنَيّ، إنّما اسْمَعْ لِقولي وامضِ وخُذ لي ذلك. فمضى وأخذ ذلكَ وأتى بهِ إلى أمِّهِ، فأصلحتهُ أمُّهُ ألواناً على ما يُحِبُّ أبوه. وأخذتْ رفقة ُ ثيابَ عيسو ابنَها الأكبَرِ الفاخِرة التي عندَها في البيت، فألبَستها يعقوبَ ابنَها الأصغر، وكَسَتْ يديهِ وملاسة عُنُقِهِ بِجلدِ المَعَز، ودفعَتْ إلى يعقوبَ ابنِها ما صنعتهُ من الألوانِ والخـُـبز. فدخلَ على أبيهِ وقال: يا أبتِ. قال: هاءنذا. مَنْ أنتَ يا بُنَيّ؟ فقالَ يعقوبُ لأبيهِ: أنا عيسو بِكرُكَ، قد صنَعتُ كما أمرتَني. قمْ فاجلِسْ وكُلْ من صيدي، لكي تُبارِكَني نفسُك. فقالَ إسحَق لابنِهِ: ما أسرَع َ ما أصبتَ يا بُنَيَّ. قال: إنَّ الرَّبَّ إلهَكَ قد يَسَّرَ لي. فقالَ إسحَق ليعقوب: تقدَّمْ حتّى أجُسَّكَ يا بُنَيّ، هلْ أنتَ ابني عيسو أم لا؟ فتقدَّمَ يعقوبُ إلى اسحَقَ أبيهِ فجَسَّهُ وقال: ألصَّوتُ صوتُ يعقوب، ولكنَّ اليَدين يَدا عيسو. ولمْ يُثبِتهُ، لأنَّ يدَيهِ كانتا مُشعِرَتينِ كَيَديْ عيسو. فبارَكَهُ.
قراءةٌ ثانية من سفر طوبيّا (٢ / ١-١٤).
كان بعدَ ذلكَ في يومِ عيدِ الرَّبّ، أنْ صُنعَتْ مأدُبة ٌ عظيمَة ٌ في بيتِ طوبيَّا؛ فقال لابنِهِ: هَلمَّ فادْعُ بَعضاً مِنْ سِبطِنا مِن المُتّقين لله، ليأكلوا معنا. فانطلقَ ثمَّ عادَ فأخبَرَهُ أنَّ واحِداً مِن بَني إسرائيلَ مَذبوحٌ مُلقىً في السُّوق. فلمّا سَمِعَ طوبيَّا، نهَضَ مِنْ مَوضِعِهِ مُسرِعاً، وترَكَ العَشاءَ وبلغَ الجُثّة وهُوَ صائم، فرفعَها وحَمَلها إلى بيتِهِ سِرّاً، ليَدفِنَها بالتّحَفُّظِ بعدَ مغيبِ الشّمس. وبعدَ أنْ خَبَأ الجُثة، أكلَ الطعامَ باكياً مُرتعِداً، فذكرَ الكلامَ الذي تكلّمَ بهِ الرَّبُّ على لسانِ عاموسَ النَّبيّ: أيَّامُ أعيادِكُم تتحَوَّلُ إلى عَويلٍ ونحيب. ولمَّا غرُبَتِ الشّمسُ ذهَبَ ودَفنها. وكان جَميعُ ذوي قرابَتِهِ يَلومونَهُ قائلين: لأجلِ هذا أ ُمِرَ بِقتلِكَ، وما كِدْتَ تنجو مِنْ قضاءِ المَوت، حتّى عُدْتَ تدفِنُ المَوتى. وأمَّا طوبيّا، فإذ كان خَوفُهُ مِن اللهِ أعظَمَ مِنْ خوفِهِ مِن الملك، كان لا يزالُ يَخطَفُ جُثَثَ القتلى، ويخبأها في بيتِهِ، فيَدفِنُها عندَ انتِصافِ اللّيل. واتّفقَ في بعضِ الأيَّام، وقدْ تَعِبَ مِن دَفنِ المَوتى، أنّهُ وافى بيتَهُ فرمى بنفسِهِ إلى جانِبِ الحائطِ ونام، فوقعَ ذرقٌ منْ عُشِّ خُطـَّافٍ في عَينَيه، وهوُ سُخنٌ، فعَميَ. وإنّما أذِن الرَّبُّ أنْ تَعرِضَ لهُ هذهِ التّجربة، لتَكون لِمَنْ بعدَهُ قُدوَةَ صَبرِهِ كأيُّوبَ الصِّدِّيق. فإنّهُ إذ كان لمْ يَنفكَّ عن تَقوى اللهِ مُنذ ُ صِغَرِهِ وحافِظاً لوَصاياه، لمْ يَكُنْ يتذمَّرُ على الله، لِما نالهُ منْ بلوى العَمى، ولكِنّهُ ثبَتَ في خوفِ الله، شاكراً لهُ طولَ أيَّامِ حياتِه.
فصلٌ من رسالةِ القديس بولس الرّسول الثانية إلى أهل تسالونيكي (١ / ١-١٢). مِن بولسَ وسِلوانُسَ وطيموتاوَسَ إلى كنيسةِ التّسالونيكيِّين التي في اللهِ أبينا، والرَّبِّ يسوع المَسيح: ألنّعمَة ُ لكُمْ والسَّلامُ مِن اللهِ الآبِ والرَّبِّ يسوع المَسيح! يَجِبُ أن نشكُرَ الله دائِماً منْ أجلِكُم، أيُّها الإخوَة، كما يليق، لأنَّ إيمانَكُم يَنمو جِدّاً، ومَحبَّتَكُم جَميعاً، كُلِّ واحِدٍ للآخَر، تَزدادُ كثيراً. ولذلك فنحنُ أنفُسُنا نفتَخِرُ بِكم في كنائِسِ الله، لثباتِكُم وإيمانِكُم، في جَميعِ الاضطهادات والضِّيقاتِ التي تحتملونَها. وذلك دليلٌ على حُكْمِ اللهِ العادِل، لِتَصيروا أهلا ً لمَلكوتِ اللهِ الذي مِنْ أجلِهِ تتألّمون. فإنّهُ مِن العَدلِ عندَ اللهِ أنْ يُجازيَ بالضِّيقِ أولئِكَ الذين يُضايقونَكُم، وأنْ يُجازيكُم أنتُم المُتضايقين بالرَّاحةِ معَنا، عندَ ظهورِ الرَّبِّ يسوع من السَّماء، في صُحبَةِ ملائِكةِ عِزّتِهِ في لهيبِ نار، ليُعاقِبَ الذين لا يَعرفون الله، والذين لا يُطيعون إنجيلَ ربِّنا يسوع المَسيح. فهؤلاءِ سينالون عِقابَهُم هلاكاً أبديّاً، مُبعَدين عن وَجهِ الرَّبّ، وعَنْ مجدِ قُدرَتِهِ، عندما يأتي في ذلك اليوم، ليتمَجَّدَ بِقدِّيسيه، ويظهرَ عَجيباً بين جَميعِ الذين آمَنوا، وأنتُم أيضاً آمنتُم بشهادَتنا لكُم. لذلك نُصلّي دائِماً من أجلِكُم، حتّى يُؤهِّلكُم إلهُنا لِدَعوَتِهِ، ويُتَمِّمَ فيكُم بِقُدرَتِهِ كُلَّ رغباتِكُمُ الصَّالحة، وأعمالَ إيمانِكُم. وهكذا يتمَجَّدُ فيكُمُ اسمُ ربِّنا يسوع، وتتمَجَّدون أنتُم فيه، وَفقَ نعمةِ إلهِنا والرَّبِّ يسوع المَسيح.
من إنجيل ربّنا يسوع المسيح للقدّيس يوحنّا (٩ / ١-٤١).
فيما كان يسوعُ مارّاً، رأى رجُلا ً أعمى مُنذ وِلادَتِهِ. فسألهُ تلاميذ ُهُ قائلين: "رابِّي، مَنْ خَطِئَ، هذا أمْ والِداه، حتّى وُلِدَ أعمى؟". أجابَ يسوع: "لا هذا خَطِئَ، ولا والِداه، ولكنْ لتَظهَرَ فيهِ أعمالُ الله. علينا، ما دامَ النّهارُ، أن نَعمَلَ أعمالَ مَنْ أرسلني. فحين يأتي اللّيل، لا أحدَ يقدِرُ أنْ يَعْمَل. ما دُمتُ في العالمِ فأنا نورُ العالم". ولمَّا قالَ هذا، تفلَ في التُراب، وصنَعَ طيناً، ومَسَحَ بالطينِ عَيني الأعمى، وقالَ لهُ: "إذهبْ واغتَسِلْ في بركةِ شيلوح، أي المُرسَل". فمضى الأعمى واغتَسَلَ وعادَ مُبصِراً. فقالَ الجيرانُ والذين كانوا يَرَوْنهُ مِنْ قبلُ يَستَعْطي: "أليسَ هذا مَنْ كان يَجلِسُ ويَستَعطي؟". وكان بعضُهُم يقول: "هذا هُو". وآخرون يقولون: "لا، بلْ يُشبِهُهُ". أمَّا هوَ فكان يقول: "أنا هوَ". فقالوا لهُ: "وكيفَ انفتَحتْ عَيناك؟". أجابَ: "الرَّجُلُ الذي يُدعى يسوع صنع طيناً، ومَسَحَ بهِ عَينَيَّ، وقالَ لي: إذهبْ إلى شيلوحَ واغتَسِلْ. فمَضيتُ واغتسلتُ فأبصَرتُ". فقالوا لهُ: "أين هُوَ ذاكَ الرَّجُل؟". قال: "لا أعلم". فجاؤوا بالذي كان أعمى إلى الفرَّيسيِّين. وكان اليومُ الذي صَنَعَ فيهِ يسوع ُ الطين، وفتَحَ عَيني الأعمى، يومَ سَبْت. وعادَ الفرِّيسيُّون يسألونهُ كيفَ أبصَر، فقالَ لهُم: "وَضَعَ طيناً على عَينيِّ، واغتسلتُ، وها أنا أبصِر". فقالَ بَعضُ الفرِّيسيِّين: "ليسَ هذا الرَّجُلُ مِن عِندِ الله، لأنّهُ لا يحفظ ُ السَّبت". وقالَ آخرون: "كيفَ يقدِرُ إنسانٌ خاطِئٌ أنْ يَصنَعَ مِثلَ هذهِ الآيات؟". وكان بينَهُم شِقاق. فقالوا أيضاً للأعمى: "وأنتَ، ماذا تَقولُ فيهِ وقد فتَحَ عَينيك؟". قال: "إنّهُ نَبيّ". وما صَدَّقَ اليَهودُ أنّهُ كان أعمى ثمَّ أبصَر، فاستَدعوا والِدَيه، وسألوهُما قائِلين: "أهذا هُوَ ابنُكُما الذي تَقولانِ عنهُ إنّهُ وُلِدَ أعمى؟ فكيفَ يُبصِرُ الآن؟". فأجابَ والِداهُ وقالا: "نحنُ نعلمُ أنَّ هذا هُوَ ابنُنا، وأنّهُ وُلِدَ أعمى. أمَّا كيفَ يُبصِرُ الآن فلا نعلم، أوْ مَنْ فتَحَ عَينيهِ فلا نعلم. إسألوه، وهوَ يُجيبُ عَنْ نَفسِهِ، لأنّهُ بلغَ سِنَّ الرُّشد". قالَ والِداهُ هذا خَوفاً مِن اليَهود، لأنَّ اليَهودَ كانوا قد اتّفقوا على أنْ يَفصِلوا عن المَجْمَعِ كُلَّ مَنْ يَعتَرِفُ بأنَّ يسوع هوَ المَسيح. لذلكَ قالَ والِداه: "إنّهُ بلغَ سِنَّ الرُّشد، فاسألوه". فاستَدعى الفرِّيسيُّون ثانية ً ذاكَ الذي كان أعمى وقالوا لهُ: "مَجِّدِ الله! نحنُ نعلمُ أنَّ هذا الإنسانَ خاطِئ". فأجابَ: "لا أعلمُ إنْ كان خاطِئاً. أعلمُ شَيئاً واحِداً، وهوَ أنّي كُنتُ أعمى، وها أنا الآن أ ُبصِر". فقالوا لهُ: "وماذا صَنَعَ لكَ؟ كيفَ فتَحَ عَينيك؟". أجابَهُم: "قُلتُ لكُم وما سَمِعتُم لي، فلماذا تُريدون أنْ تَسمعوا مرَّةً ثانية؟ ألعلّكُم تُريدون أنتُم أيضاً أنْ تَصيروا لهُ تلاميذ؟". فشتَموهُ وقالوا: "أنتَ تلميذهُ! أمَّا نَحنُ فتلاميذ ُ موسى! نَحنُ نعلمُ أنَّ الله كلّمَ موسى، أمَّا هذا فلا نعلمُ مِنْ أين هُو!". أجابَ الرَّجُلُ وقالَ لهُم: "عَجَباً أنّكُمْ لا تعلمون مِنْ أين هُوَ، وقدْ فتَحَ عَينيَّ! نحنُ نعلمُ أنَّ الله لا يَسمَعُ لِلخطأة، بلْ يَسمَعُ لِمَنْ يَتّقيهِ ويَعمَلُ مَشيئتَهُ. لمْ يُسْمَعْ يوماً أنَّ أحداً فتَحَ عَيني مَنْ وُلِدَ أعمى. فلو لمْ يَكُن هذا الرَّجُلُ مِن عِندِ الله، لَما استَطاع أنْ يعملَ شيئاً". أجابوا وقالوا لهُ: "أنتَ كُلّكَ وُلِدتَ في الخَطايا، وتُعلّمُنا؟". ثمَّ طَرَدوهُ خارِجاً. وَسَمِعَ يسوعُ أنّهُم طردوه، فلقيَهُ وقالَ لهُ: "أتُؤمِنُ أنتَ بابنِ الإنسان؟". أجابَ وقال: "ومَنْ هُوَ، يا سَيِّد، فأؤمِن َ بهْ؟". قالَ لهُ يسوع: "لقدَ رأيتَهُ، وهوَ الذي يُكلّمُكَ". فقالَ: "أنا أؤمِن، يا رَبّ". وسَجدَ لهُ. فقال يسوع: "جِئتُ إلى هذا العالمِ لِلدّينونة، ليُبصِرَ الذين لا يُبصِرون، ويَعمَى الذين يُبصِرون". سَمِعَ هذا الكلامَ بعضُ الفرِّيسيِّين الذين كانوا معه، فقالوا لهُ: "وهَلْ نحنُ أيضاً عُميان؟". قال لهُم يسوع: "لو كُنتُم عُمياناً لما كانتْ عليكُم خَطيئة. ولكن ما دُمتُم تَقولون إنّنا نُبصِرُ، فخطيئتُكم ثابتة".
أيُّها الرَّبُّ القائِلُ في الإنجيل: أنا نورُ العالم، مَنْ يتبعني لا يَمشِ في الظلام، بلْ يَكُنْ لهُ نورُ الحياةِ! هَبْ لنا أنْ نَفهَمَ حَقَّ شهادَتِكَ، فنَسيرَ على نورِكَ إلى الآبِ الذي أرسلكَ إلينا، ونرفعَ المَجدَ إليك وإلى أبيكَ وروحِكَ القُدُّوس، إلى الأبد.
ألرَّبُّ كجبّارٍ يَبرُز ُ، وكرجُلِ قِتالٍ يُثيرُ غيرَتَهُ، ويهتِفُ ويَصرُخُ ويَظفرُ على أعدائِه. طالما سكَتُّ وصَمَتُّ وضبَطتُّ نفسي، فالآنَ أصيحُ كالتي تَلِد، وأنفخُ وأزفِر. أ ُخرِّبُ الجِبالَ والتّلال، وأ ُيَبِّسُ كُلَّ عُشبِها، وأجعَلُ الأنهارَ يَبساً، وأ ُجَفِّفُ الغُدران. وأ ُسَيِّرُ العُميَ في طريقٍ لمْ يَعرفوه، وأ ُسلكُهُم مسالِكَ لم يَعهَدوها، وأجعَلُ الظلمَة نوراً أمامَهُم، والمُتأوِّداتِ مُستَقيمَة. هذه الأمورُ سأصنَعُها ولا أخذ ُلهُم. قدِ ارتَدَّ إلى الوراءِ المُتَوكّلون على المَنحوتات، القائلون لِلمَسبوكات: أنتُنَّ آلهَتُنا، وخَز ُوا خِزيا. أيُّها الصـُّمُّ اسمَعوا! أيُّها العُميُ انظروا وأبصِروا! مَن أعمى إلّا عَبدي، أو أصَمُّ كرَسوليَ الذي أرسَلتُهُ؟ تنظـُرُ أموراً كثيرةً ولا تلاحِظها. يفتَحُ أ ُذنيهِ ولا يسمَع. كانتْ مَرضاةُ الرَّبِّ بِبِرِّه، وبأنْ يُعَظـِّمَ الشريعة ويُكرِمَها.
فصلٌ من أخبارِ آبائنا الرّسل الأطهار (٩ / ١-٢٢).
أمّا شاولُ فكان لا يزالُ يَنفث ُ على تلاميذِ الرَّبِّ تهديدًا وتقتيلاً، فذهبَ إلى عَظيمِ الأحبارِ، وطلبَ منهُ رَسائِلَ إلى مَجامِعِ دِمشق، حتّى إذا وجَدَ أناساً على هذه الطريقة، رِجالاً ونساءً، يَسوقُهُم مَوثوقين إلى أورشليم. وفيما هوَ ذاهِب، وقدِ اقتَرَبَ من دمشق، إذا بِنورٍ ساطِعٍ مِن السّماءِ يلـُـفـُّهُ بَغتَة ً. فسقط إلى الأرض، وسَمِعَ صوتاً يقولُ لهُ: " شاول، شاول، لماذا تَضطهِدُني؟". فقالَ: "مَن أنتَ، يا ربّ؟". قالَ: "أنا هُوَ يسوعُ الذي أنتَ تضطهِدُهُ! ولكِنْ قُمْ، وادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لكَ ما يَجِبُ عليكَ أنْ تَفعَل". أمّا الرِّجالُ الذين كانوا يُرافِقونَهُ في الطريقِ فقد وَقفوا مَشدوهين، يَسمعون الصّوتَ ولا يُبصِرون أحَداً. فنَهَضَ شاولُ عَنِ الأرض، ولمْ يَكُنْ يرى شيئاً - مع أنَّ عَينيهِ كانتا مَفتوحَتين - فاقتادوهُ بِيَدِهِ وأدخلوهُ إلى دِمشق. وبقيَ ثلاثة أيَّامٍ لا يُبصِرُ ولا يأكُلُ ولا يَشرَب. وكان في دِمشقَ تلميذ ٌ اسمُهُ حَنانيا. فقالَ لهُ الرَّبُّ في رؤيا: "يا حَنانيَّا!". فقال: "هاءنذا، يا ربّ!". فقالَ لهُ الرَّبّ: "قُمْ اذهَبْ إلى الشارِعِ المُسمّى بالقويم، واطلبْ في بيتِ يهوذا رَجُلا ً مِنْ طَرسوسَ اسمُهُ شاول. فها إنّهُ يُصلّي، وقدْ رأى في رؤيا رَجُلا ً اسمُهُ حَنانيَّا، يدخُلُ، ويضَعُ يديهِ عليهِ ليَعودَ فيُبصِر". فأجابَ حنانيّا: "يا ربّ، قد سَمعتُ من كثيرين عن هذا الرّجُل، كمْ من الشُرورِ فعلَ بِقدِّيسيكَ في أورشليم. وهُنا لهُ سُلطانٌ من قِبَلِ الأحبارِ أنْ يوثِق جَميعَ الذين يدعون باسمِك". فقال لهُ الرَّبّ: "إذهب، لأنَّ هذا هُوَ لي إناءٌ مُختار، ليَحمِلَ اسمي أمامَ الأمم، والمُلوك، وبني إسرائيل. فأنا سأريهِ كم يَجبُ عليهِ أنْ يتألّمَ من أجلِ اسمي!". فمضى حنانيّا، ودخلَ إلى البيت، ووضَعَ يَدَيهِ على شاول، وقالَ: "يا شاولُ أخي، إنَّ الرَّبَّ يسوع الذي تَراءى لكَ في الطريقِ الذي سلكتَهُ، قد أرسلني لكي تعودَ فتـُـبصِر، وتمتلِئَ من الرُّوحِ القُدُس". وفي الحالِ تساقط َ من عَينيْ شاول ما يُشبِهُ القشور، فعادَ يُبصِر. وقامَ فاعتَمَدْ. ثمَّ تناوَلَ طعاماً، فاستعادَ قُواه. وبقي بِضعَة أيّامٍ مع التلاميذِ في دمشق. وفي الحالِ أخذَ يَكرِزُ في المجامعِ بأنَّ يسوع هُو ابنُ الله . وكان كُلُّ الذين يسمَعونَهُ يَدهشون ويقولون: "أليسَ هذا هو الذي كان في أورشليمَ يفتُكُ بالذين يُدعون بهذا الاسم، وقد جاءَ إلى هُنا ليَسوقهُم إلى الأحبارِ مُكبّلين؟". أمّا شاولُ فكان يَزدادُ قوَّةً، ويُفحِمُ اليَهودَ المُقيمين في دمشق، مُبرهِناً أنَّ يسوع هوَ المسيح.
- أيُّها الرَّبُّ يسوع، كنتَ تسيرُ مشيًا من مدينةٍ إلى مدينة، ومن قريةٍ إلى قرية، ومن بيتٍ إلى بيت، ومن إنسانٍ إلى إنسان، زائِرًا الفقراء، مُؤاسياً الحزانى، شافياً المَرضى، حاملاً أثقالَ التّعبين، وأوجاع المُتألّمين، لكي يجدَ هؤلاءِ لهُم في الأرضِ أخا، رفيقَ محبَّة. رَبِّ، لقد زاغ َ عنكَ الكثيرون من بشرِ الأرض، فهلْ لكَ أنْ تُرسِلَ هَديًا إلى عُقولِنا لنُفكِرَ فيك، ونسلـُكَ دُروبَكَ إليك، بالإيمان، فرحين نظيرَ ذلك الأعمى الذي ملأتَ عينيهِ بالنّورِ، ومُرنّمين لك ولأبيكَ وروحِكَ القُدُّوس، الآن وإلى الأبد. آمين.
أحد شفاء الأعمى: صلاة نصف النهار من زمن الصّوم الكبير
ألسَّلامُ للبيعَةِ ولِبَنيهاألمَجدُ للهِ في العُلى وعلى الأرضِ السَّلامُ والرَّجاءُ الصَّالِحُ لِبَني البَشَر
- يا بَحْرَ الحَنان، وَيَنْبُوعَ الجودِ والعَون، أهِّلنا أنْ نُقدِّمَ إليكَ ثِمارَ التـَّوبَةِ والتـَّقوى، في هذا الصّومِ المُقَدَّسِ ومدى حَياتِنا، ثمَّ بَلـِّغْنا جَنَّة الأفراحِ فنَلقاكَ مَعَ الأبرارِ العامِلينَ بِمَشِيئتِكَ، وَنَرفعَ مَعَهُمُ المَجدَ والحَمْدَ إليكَ أيُّها الآبُ وإلى ابْنِكَ الوَحيدِ وَروحِكَ الحَيِّ القُدُّوسِ إلى الأبد. آمين.