تُشير القراءات المقدسة في هذا الأحد الى البحث عن الحبيب وكيفية الاحتفاظ به والتحضير لليوم الكبير يوم اللقاء به في عرس الارض والسماء.

ها هي فتاة (تمثل النفس البشرية) سفر نشيد الاناشيد (٥/ ٨ - ١٣) قد خرجت من ذاتها بحثاً عن حبيبها، هامت في الساحات، ضاعت في شبكة طرقات العالم، سألت بشغفٍ كليّ بنات أورشليم عن حبيبها الضائع مشتهى القلب والعين والحلم الجميل لكل نفس مرهفة تبغي الكمال "أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا"..
تلك النفس الجائعة الى الحب لن تجد شبعها إلا بلقاء الحبيب فتخرج للبحث عنه، هنا تبدأ المغامرة الجميلة على حافة الموت والحياة لا بل تخوض معركة شرسة بينها وبين ذاتها، ربما تخرج منتصرة وتحظى بلقاء الحبيب حين يأتي كاللص ليلاً ويجدها حاضرة ومستعدة لاستقباله كالعذارى الحكيمات.

كيف تستعد النفس ليوم اللقاء؟ كيف تحافظ على قنديلها مضاءً؟ ما سرّ نجاح العذارى الحكيمات؟ كشف بولس في الرسالة الى فيلبّي (٢/ ١٢ - ١٨) عن أسلحة تدمر أعداء النفس وتضمن الأنتصار وتحسم المعركة.. السلاح الاول هو العمل "إِعْمَلُوا لِخَلاصِكُم بِخَوْفٍ ورِعْدَة" فالخلاص لا يكون بالانتظار على هامش الاحداث، أو ضرب من ضروب الحظّ والنصيب بل هو عمل دؤوب بخوف ورعدة أي باحترام كليّ (مخافة الرب) وبجديّة مطلقة في حقل الذات لترويضها وتحضيرها للزرع فتصبح أرضاً خصبة تستقبل بذرة الحياة فتنمو وتثمر وتعطي الغلال الوافرة يوم الحصاد..

السلاح الثاني هو الطاعة "كَمَا أَطَعْتُمْ دَائِمًا، لا في حُضُورِي فَحَسْب، بَلْ بِالأَحرى وبِالأَكْثَرِ الآنَ في غِيَابِي" هي طاعة الاحبّاء وليس العبيد، الطاعة التي تعبّر عن النفس الحانية المستعدة بتواضع كليّ لاستقبال الحبيب. تلك الطاعة المذهلة للحبّ تفجّر طاقة متجددة للجذب لا يحدّها مكان ولا زمان وبالتالي تصلح لكل مكان وزمان.

السلاح الثالث هو عدم التذمر والمجادلة "إِفْعَلُوا كُلَّ شَيءٍ بِغَيْرِ تَذَمُّرٍ وَجِدَال" قبل كل هزيمة جدال عقيم، قبل كل انكسار تذمّر مَرَضي. العبيد (كل أنواع العبيد) يتذمّرون ويتجادلون أما الاحبّاء فيعملون بانسجام كليّ بين العقل والجسم، بين الفكر والقول والسلوك دون انفصال أو انفصام نفسيّ أو روحيّ.

الكسول يتذمّر دائماً من العمل لأنه أناني، والاناني يجعل من نفسه محور الكون لا يستطيع الخروج من قوقعته للقاء الحبيب، يبرّر عجزه في إلقاء اللوم على الاخرين، يسعى لاشباع نقصه من حصة غيره (العذارى الجاهلات) لذلك يبقى في حالة الجوع والعوز الدائمين. فكما أن "الثوب المستعار لا يُدفء الجسم" فالحب المستعار لا يشبع النفس.

من يستعمل تلك الأسلحة الفتّاكة للكبرياء يصبح "بسيطاً" كالنسيم العليل كالمياه النقية كالشمس الساطعة "لِكَي تَصِيرُوا بُسَطَاءَ لا لَومَ عَلَيْكُم".

إنّ البساطة تُبعد الملامة، في بُعديها المزدوجين: ملامة الاخرين وملامة الذات.

فالاَخر لا يستحق الملامة ولا العتاب لانه "الحبيب".

ليس على الحبيب ملامة، هو "معذورٌ" دائماً وبالتالي محبوبٌ دائماً في كل شيء.. طبعاً "المحبوب" هو كل إنسان، إن كان يستحق الحبّ أو لا يستحقه.

فالحب هو قرار لا يخضع لأي ظرف، ليس ردة فعل تخضع لكل الظروف.

فمصدر الحب هو جوهر النفس (داخلي) وليس الاخر (خارجي).

قد لا نجد في الخارج أسباباً للحبّ، رغم ذلك نعيشه "وَسْطَ جِيْلٍ مُعْوَجٍّ ومُنْحَرِف، تُضِيئُونَ فيهِ كالنَّيِّراتِ في العَالَم".
قد لا نجد أسباب الفرح أو السعادة أو راحة البال، رغم ذلك نعيش "الطمأنينة" بهدوء كليّ لأننا كما يقول بولس "أَبْنَاءً للهِ لا عَيْبَ فيكُم" فالعيب هو نقص في الحب الذي يولّد الحزن والنكد والارق والتعاسة، أما الحبّ ولو كان صليباً فيولّد الفرح والسعادة "لو أَنَّ دَمِي يُرَاقُ على ذَبِيحَةِ إِيْمانِكُم وخِدْمَتِهِ، لَكُنْتُ أَفْرَحُ وأَبْتَهِجُ مَعَكُم جَمِيعًا".

من شدّة شوقها خرجت فتاة "نشيد الاناشيد" بحثاً عن "الحبيب" وسألت عذارى المدينة أن يبحثن معها، ربّما مرّ أمامهنّ ولم يرونه، وربما مرّ العمر ولم يلتقينَ به!!

أما أنت فإذا أردت السعادة لنفسك إتبع سلوك بولس في الحب، إحمِل بيدك وفكرك سلاح معركة الحياة: إعمل لخلاصك بخوف ورعدة، كن طائعاً دائما لكلمة الحياة، إفعل كل شيء بغير تذمر وجدال.. فتصبح بسيطاً لا لوم عليك تستحق لقاء العريس في يوم السماء. آميـــــــن.

أحد مبارك

/الخوري كامل كامل/