HTML مخصص
07 May
07May

قال الربّ لتلاميذِه :

"شهوةً اشتهيتُ أن آكُلَ الفصحَ معكم".

وليس الأمرُ شهوةَ أكلٍ عند السيّد، بل شهوةَ أن يُعطينا جسده ودمه ليبقى بهما معنا إلى إنقضاء الدّهر.

أخذ الربّ خبزًا وبارك وكسر وأعطى تلاميذه قائلًا: "خُذوا كُلوا هذا هو جسدي".

وقال على الكأس:

"اشربوا منه جميعُكم هذا هو دمي".

يصعُبُ تصوُّرُ دهشة التَّلاميذ وخشوعهم ورهبتهم تجاه هذه الكلمات السماويّة التي تفوّه بها الفم الإلهيّ، ولم يُدركوا عمقها وسرّ معناها.

فالرّسل هم أوّل من سمع هذه الكلمات، التي كانت عصيّةً على فهمهم، والتي ستبقى تتردّد في الكنيسة إلى إنتهاء الدّهر.

بهذه الكلمات أسّس الربّ سرّ الأفخارستيّا وسرّ الكهنوت، وجعل من نفسه الكاهن الأوّل للعهد الجديد.

وقولُه "إصنعوا هذا لذكري" جعل الرُّسلَ كهنةً أوّلين في الكنيسة، ولو لم يقل لهم هذه العبارة لكانت هناك ذبيحة واحدة أقامها هو نفسُه، وإنتهت وإنقضت بإنتهاء العشاء الفصحيّ، ولما كان التلاميذ مُلزَمين بالإستمرار بالإحتفال بسرّ الأفخارستيّا الذي أقامه يسوع بمحضر منهم.

وعبارة "حتّى مجيئي" تُلزِم الرسل بأن يُقيموا كهنةً يحتفلون بسرّ الأفخارستيّا بعد موتهم، وعلى الذين بعدهم أيضًا، أن يُقيموا كهنةً، ليستمرّ في الكنيسة التّعاقب الرسوليّ، الذي معناه أنّ كلّ كاهن يُقيمُه خُلفاء الرسل يعود كهنوته إليهم بذلك التّعاقب.

فبكلمة الربّ "حتّى مجيئي" نشأت في الكنيسة الأولى الهيكليّة الهرميّة للإكليرس، التي رأسها بطرس الرسول، وفيها رؤساء أساقفة وأساقفة وكهنة وشمامسة.

وحيث أنّ غاية يسوع من قوله "اصنعوا هذا لذكري" أن يستمرّ الرسل في إقامة سرّ الأفخارستيّا حتّى مجيئه، فعبارة "إصنعوا هذا لذكري" لا تجعل الإحتفال الأفخارستيّ مجرّد ذكرى، فهذا جهلُ مُطبق لقصد الربّ من العشاء السريّ وإنكارٌ لسرَّي الكهنوت والأفخارستيّا.

الإحتفال الإفخارستيّ هو سرّ الأسرار الذي به يغتذي الكهنة والمؤمنون بجسد الربّ ودمه "لمغفرة خطاياهم والحياة الأبديّة".

ويسوع نفسُه قال :

"جسدي مأكلٌ حقّ ودمي مَشربٌ حقّ، ومن يأكل جسدي ويشرب دمي يَثبُت فيّ وأنا فيه، وله الحياة الأبديّة".

وتُقيم بعض الجماعات المسيحيّة كَسْرَ الخبز على أساس أنه مجرّد ذكرى، لكنّ هذه المـُمارسة ليست إحتفالًا بسرّ عشاء الربّ، إذ يغيب عن تلك الممارسة جسد الربّ ودمه الحقيقيَّان، بخلاف الذّبيحة الإلهيّة التي يُقيمها الكهنة، حيث يحضر الربّ شخصيًا بجسده ودمه في الإحتفال الأفخارستي.

القدّاس الإلهيّ هو قمّة العبادة، لحضور الربّ فيه شخصيًّا بجسده ودمه بطريقة سريّة.

وعلى غرار التلاميذ الذين سمعوا كلام التّقديس للمرّة الأولى، نقف نحن أيضًا بوجَل ورهبة وخشوع وذهول أمام هذا السرّ العظيم.

وإن كان ما تفوّه به الربّ ليلة خميس الأسرار عصيًّا على فهمهم، فهو عصيّ على فهمنا نحن أيضًا.

وبالنّتيجة، لا يمكن إختزال جسد الربّ ودمه الإلهيّين إلى مجرّد خبز وخمر عاديَّين لأجل الذّكرى، فرهبة السرّ تحملنا على السجود بدهشة وإجلال عظيمَين تجاه ما عمله الربّ في ليلة آلامه الخلاصيّة المقدّسة.


/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.