HTML مخصص
11 Nov
11Nov
إعلان خاص

قبل التطوّر الشديد لمحطات السكك الحديدية، كان هناك جسر متحرك فوق نهر كبير.

وفي معظم ساعات اليوم يكون هذا الجسر مفتوحًا فى وضع يكون فيه الجزء المتحرك بطوله مُوازٍ لشاطئ النهر، ليسمح بمرور السفن، ولكن في بعض الأوقات من اليوم، كانت هناك قطارات تعبر النهر من شاطئ إلى الآخر، حيث كان يدار الجزء المتحرك من الجسر، بحيث يكون عموديا على النهر مما يسمح بمرور القطارات في سلام.


كان هناك رجل يعمل في هيئة السكك الحديدية كعامل “تحويلة” أو “محولجي”، وهو يقوم بعمليات فتح وغلق هذا الجسر عند اللزوم، وكان هذا الرجل يقيم في بيت صغير مع أسرته بجوار شاطيء النهر.

وفي أحد الأيام عند الغروب كان الرجل يترقّب قدوم آخر قطار لهذا اليوم، وعندما سمع الرجل صوت القطار من على بُعد، بدأ يستعد ليغلق الجسر ليكون عموديًا على النهر حتّى يعبر القطار بسلام للجانب الآخر من النهر، وإقترب القطار وهو يزمجر ويصفِّر بصوته العالي المرتفع، وبينما الرجل يستعد ليغلق الجسر رأى ما لم يكن يريده ولا يتوقعه، ولم يفكر فيه من قبل، رأى “ديفيد”، نعم .. “ديفيد” إبنه الوحيد الذي لم يتجاوز بعد السابعة من عمره، يلعب بين متاريس الجسر الهائلة، وعندها تجمّد الدم في عروق هذا الأب، الذي بدأ بأعلى صوته ينادي على إبنه :

– «ديفيد .. ديفيد»

لكن صوت القطار جعل من المستحيل على “ديفيد” سماع النداء، وكان الوقت أقل بكثير من أن يذهب الرجل ويُخرج إبنه من هذه المنطقة وإلا سيغرق القطار الذي كان مملوءً بالآلاف من الركاب، سيغرق في أعماق النهر ..

آه .. كان على هذا الأب في لحظة من الزمان أن يختار إمّا أن ينقذ إبنه ولا يغلق الجسر، ولكن سيغرق القطار بالركاب في أعماق النهر؛ وإما أن يضحّي بإبنه ويعبر القطار بسلام.

وعندها إختار هذا الأب العجيب في تضحيته، إختار أن ينجي القطار، نادى بأعلى صوته وهو يرتعش:

– «ديفيد .. ديفيد، لا أستطيع إلا أن أضحّي بك لأجل الآلاف من الركاب! ديفيد .. ديفيد .. يا وحيدي، آه يا إبني الحبيب»


أغلق الرجل الجسر وهو يغلق عينيه للحظات حتى لا يرى ما سيحدث “لديفيد” وحيده، محاولاً التحكم في عواطفه أيضًا.

وعندما فتح عينيه ورأى القطار يعبر بسلام، نظر إلى أسفل الجسر، إلى الأشلاء الباقية من جسد “ديفيد” إبنه الوحيد، فلذة كبده الذي تمزّق جسده تمامًا بين متاريس الجسر!


عبر القطار بسلام، ولحظتها لم يعرف أحد من الركاب أنّ هذا الأب ضحّى بإبنه الوحيد لينجيه، لم يدركوا أيضًا صورة الرجل التى يُرثى لها وهو ينتحب بقوة لفترة طويلة بعد عبور القطار.

لم يروه وهو يذهب ليلملم أشلاء جثة “ديفيد” هو وبعض القرويين القريبين من المكان إستعدادًا للدفن.

لم يروه وهو يعود ماشيًا في إنكسار ببطء إلى بيته، ليخبر زوجته كيف مات إبنهما الوحيد بهذه الطريقة الوحشيّة.

خرجت الجرائد في اليوم التالي تحكي قصّة التضحية النبيلة لهذا العامل، وكانت أغلب العناوين تقول: الأب الذي لم يشفق على إبنه لينجّي الآخرين.





عزيزي القارىء .. عزيزتي القارئ :

من المؤكد أنك تأثرت بهذه القصة الحقيقة.

ولكن هناك قصة حقيقية أعمق وأكثر تأثيرًا!

فلقد ضحّى الأب “بديفيد” لأجل ركاب قطار.

ضحى به وأخذ القرار في لحظات.

ضحّى به مع ملاحظة أنّ الأب كان مسؤولاً عن مراعاة أن لا يكون إبنه في هذه المنطقة الخطرة.

ولكني دعني أُذَكِّرك بالقصة الأعمق والأشمل:

إنها قصة محبة الآب السماوي العجيب وتضحيته لا لأجل قطار بل لأجل العالم أجمع كما قال المسيح:


{لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ الله الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ الله ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ}

(يوحنّا ٣: ١٦).


إن قصة تضحية الآب السماوي لأجل العالم ليست وليدة صدفة أو حدث عابر، لكنها كانت في قلب الله قبل الأزمنة في الأزل، كما هو مكتوب:

{لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. والَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا. فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟!}

(رومية ٨: ٢٩-٣٢).


لقد تعيّن قبل الأزمنة في الأزل أن يموت المسيح لأجلنا:

{افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ … بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ}
(١ بطرس ١: ١٨)


{لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا}

(١ يوحنّا ٤: ٨-١٠)


عندما نقترب إلى الصليب نفهم كيف أن الله محبة، وما قاله الرب يسوع:

{وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ}

(يوحنّا ١٦: ٢٦)

وإن سمعتك تسألني: «لماذا يحبني؟» يجيبك الرب:

{أَنَا .ْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً}
(هوشع ١٤: ٤).


يحبني ليس لشيء فيَّ، بل بالرغم من كل ما أنا فيه يحبني، لا لأني أستحق، بل لأنه هو {اللهَ مَحَبَّةٌ}.

إنّ الأب السماوي ينتظرك، فهل تعود إليه كهذا الابن الذي كان ضالاً، فتتمتع بما قاله الرب يسوع:

{فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ}

(لوقا ١٥: ٢٠)



#خبريّة وعبرة
/خدّام الرب/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.