HTML مخصص
12 Feb
12Feb


دخلت ممرّضة على رجل ملحد على فراش الموت فوجدته يبحث في الكتاب المقدّس.

قال لها إنّه "يبحثُ عن فجوات".

وقصده أن يجد أخطاء فلا يعود الكتاب المقدّس مرجعيّةً تدينه لأجل إلحاده.

في القرن العشرين قامت دراسات أتاحت معرفةً أعمق بالكتاب المقدّس.

وأسهمت البروتستنتيّة (١٥١٧) في المنحى العقلاني لمقاربة الكتاب المقدّس.

فهي ألغت وجود القدّيسين، وألغت بذلك التّراث الآبائي والحياة النسكيّة، والتأمّل بطريقة نسكيّة في الكتاب المقدّس لأجل التّوبة والتّنقية وتقديس الذّات.

وطرحت البروتستنتيّة مرجعيّة "الكتاب وحَدهُ" sola scriptura وزعمت أن الروح القدس يُلهم الفرد، وليس مرجعيّة الكنيسة، لتفسير الكتاب المقدّس.

وقال باروخ سبينوزا Spinoza (١٦٣٢ - ١٦٧٧) بوجوب إخضاع الكتاب المقدّس للنَّقد العقليّ، وبهذا شكّك بالمرجعيّة الإلهيّة للكتاب المقدّس.

فلو إعتبَرَ الكتاب المقدّس كتابًا إلهيًّا، لأدرك أنّه لا يمكن التشكيك به وبصحّته ودقّته وصحّة مصادره.

فكلام الله مَعصومٌ عن الخطأ لأنّ الرُّوح القُدس الذي أوحى به لا يُخطئ.

وكيف يَحكُمُ عقلٌ بشريٌّ محدود على نصوص موحاة من الروح القدس؟ وهل يمكن ذلك لمن لا يستلهم الروح القدس لفَهم النصوص الكتابيّة؟ لقد جعلَ سبينوزا العقل البشريّ أكمل من العقل الإلهيّ الذي أوحى الكتب المقدّسة، وأعلى مرتبةً وأكثر قدرةً من العقل الإلهيّ على الحُكم والتّمييز وتقرير ما هو خطأ وما هو صواب في تلك النصوص.

فهو يَنظُرُ إليها بعين الشكّ، محاولًا أن يَجِدَ فيها فجوات ويُشكِّك بصحّتِها وصحّة مرجعيّتها.

وبدلًا من أن يتّخذ الكتب المقدّسة حَكَمًا لحياتة، كما هو واجب كلّ مؤمن، جعلَ نفسَه حَكَمًا على نصوص الكتاب المقدّس.

والشكّ سوف يقودُ عقلَه المحدود والمعرّض للخطأ إلى استنتاجات خاطئة.

وهو تحت الدّينونة لأنّه وضع الشكّ في مقاربته للنصوص الإلهيّة وحكم عليها وشوّه تفاسيرها بدلًا من أن ينظر إليها بعين الإيمان والاحترام والإجلال ويتأمّل بها في قلبه، فتكونُ غذاءً لروحه وحافزًا له على التّوبة.

قال المزمور :
"وأرفع يديّ إلى وصاياك التي أحببتُ وأتأمّلُ في رسومك".

وقال أيضًا :
"لولا أنّ شريعتك هي نَعيمي لهلكتُ في بؤسي".

هذا البؤس عينُه يتمرّغ فيه اليوم مُفسّرون ومُعلّمون ووعّاظ يَعتبرون أنفُسَهُم أكثرَ حِكمةً من الرُّوح القُدس الذي أوحى الكتب المقدّسة، ويعلّمون آراءهم وتفاسيرهم الشخصيّة لدينونتهم، بدلًا من أن تكون تلك النصوص لتوبتهم ورجوعهم عن الخطـأ، وهذا الخطأ هو جَسيمٌ بعُرف الكنيسة.

فمقولة رنيه ديكارت Descartes (١٥٩٦ - ١٦٥٠) "الشكُّ طريقُ اليقين" قد تَنطبِقُ في الفلسفة البشريّة لكنَّها لا تنطبق في الإيمان بالله ولا في الإلهيّات والكتُب الإلهيّة، التي لا تُفارَبُ إلّا بالإيمانِ اليَقين والإجلال والعبادة والسُجود.

أمّا مُجرَّد فحصِها بالعقل وبِعين الشكّ فيعني أن الشخص لا يعتَبِرُ عُصمتَها من الخطأ، وينُكر قُدسيّتَها، ولا تعود نُصوصًا إلهيّةً مقدّسةً بالنسبة إليه، وتصيرُ كباقي النّصوص الأدبيّة، وينتفي إحترامُها وإجلالُها.

دراسة الكتب المقدّسة يجب أن تنطلق من الإيمان وليس من الشكّ، وأن تكونَ غاية دراستها التعرّف بطريقةٍ أعمق على كلمة الله. ويجب أن لا تؤدّي تلك الدّراسات إلى التَّشكيك بالمصدر الإلهيّ للكتب المقدّسة ولا إلى التشكيك بعُصمتها وصحّتها ودقّتها وخلوّها من الخطأ، ولا أن لا تؤدّي إلى مخالفة عقيدة الكنيسة.

فهناك مقياسٌ واحِدٌ وحيد لصحّة كل تفسير، هو مطابقتُه لعقيدة الكنيسة.

يقول الربّ يسوع :
"الكلامُ الذي كلّمتُكم به هو روحٌ وحياة".

فالروح هو الذي أوحى بالكلام الإلهيّ هو نفسُه يوحي بتفسيره للمؤمنين الذين نالوا الروح القدس بالإيمان والتّوبة والقداسة، كما قال الكتاب :
"سِرُّ الربّ لمتّقيه، ولهم يعلن عهده".

فمن دون إيمانٍ وتقوى، عَبثًا يَبحثُ كثيرون عن "فجوات" في النُّصوص الإلهيّة، فذلك لن تُبرِّرَ انحرافَهم ولن تُبدِّدَ شُكوكَهُم ولن تمنعَ عنهُم الدّينونة.

/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/
٢٠٢١/٢/١١

أضغط هنا... للإنتقال إلى صفحاتنا على سوشيال ميديا

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.