HTML مخصص
01 Nov
01Nov


كان كميل رجلاً حكيماً وتاجراً أميناً، يعرف كيف يجمع المال وكيف ينفقه دون إسراف.

تكونت لديه ثروة كبيرة، ولما أحسّ بإقتراب أجله أوصى إبنه الوحيد بحسن التدبير وحذّره من أصحاب السوء والتبذير...

وبعد وفاة أبيه لم يعمل بنصيحته، وراح ينفق النقود بطريقة حمقاء جعلتها تنفد كلها في وقت قصير، فأصبح فقيراً، فإبتعد الناس عنه وتركوه متخبّطاً في متْربته، بلا صدیق ولا أنيس.

ولمّا إستولى عليه الحزن خرج إلى فناء الدار مهموماً، فجلس على صندوق مهمل في إحدى الزوايا.

وفجأة تحرّك الصندوق وراح يرتفع رويداً رويداً عن الأرض، فأمسك به الشاب بكل قواه لكي لا يسقط، وها هو ينظر مندهشاً إلى الأسفل.. ليرى البحر ذلك العالم الأزرق، والسُّفن الجاريات والراسيات، والأنهار، والناس… إنّه لشيء عجيب!

وبعد مسافة كبيرة هبط الصندوق برفق ببُستان قصر باهر.

نزل الشاب وراح مسرعاً يجمع الأغصان وخبّأ الصندوق، ثم تقدّم إلى حارس وطلب منه مقابلة صاحب القصر، فأدخله في الحين وكان سلطان تلك البلاد.. إستقبل السلطان الفتى بحفاوة بالغة وأكرمه وأحسن ضيافته وإستمع له، فإغترّ الشاب غروراً كبيراً وراح يفتخر بثروة زعم إمتلاكها قد تساوي ثروة السّلْطنة، ويتظاهر كسائح إنتقل كثيراً، أبهر الناس بما شهد من عجائب وإكتشف من أوطان.

بقي الشاب في المملكة أیّاماً، وكان كلّما إلتقى جمعاً راح يسرد عليه الحكايات الطريفة والعجيبة التي تزعم أنها وقعت له، وما هي في الحقيقة إلاّ إدّعاءات وأكاذيب؛ ولكنه إستطاع أن يوهم بها كل مُستمعيه الذين راحوا ينسجون له صوراً من البطولة فتخيّلوه بطلاً صنديداً.. ومن حين لآخر كانت إبنة السلطان تستمع إلى تلك الحكايات فأعجبت بها فتوسّلت إلى أبيها ليزوجها منه، فوافق على طلبها، قرّر الملك دعوة كل من في المملكة لحضور زفاف إبنته، فأعلن ذلك وأمر بالإستعداد لذلك اليوم السعيد.

وبعد أيام من التحضيرات أقيم حفل الزّفاف وأعدّت موائد الطعام وأطلقت الألعاب النارية في كل أرجاء المدينة، ذهب الشاب أثناءها ليتفقّد صندوقه السّحري وإذا بفتيل مشتعلٍ يسقط على مكانه فإشتعل بسرعة مذهلةٍ، وإمتدّت النّار إلى الصّندوق فأحرقته وأحرقت معه آمال الشاب.

يا لها من صدمة! الوسيلة الوحيدة التي كان يعتمد عليها صارت رماداً!

غادر القصر هارباً متخفياً حتى لا يكشف الناس زيفه.

ألم يورّط نفسه بالكذب؟ ألم يكن مختالاً فخوراً؟ وبينما كانت الأميرة تعاني من إخفاق مشروع الزواج صار الفتى يهيم من مكان لآخر جائعاً متشرداً حافي القدمين وبملابس رثة وممزقة .

وفي هذه المحنة بدأ يعرف نفسه، ويراجع مواقفه؛ فالكذبُ لا ينفع والصّدق هو الأصحّ وأنّ العمل هو الشّرف وأن المال الذي لا يكسب بعرق الجبين يذهب سدی.. ة

وبعد أن عمل في المزارع والورشات، ها هو الآن يشتغل عند حدّاد، وقد حوّله عمله الشاق إلى فتى جدّي ومخلص ومسرور.

وذات مرّة وهو يجمع الحديد الخام من منجم خارج المدينة، عثر على سامة ذهب، فإستخرج كثيرا منه ووضعه في العربة وغطاه بالمعادن الأخرى، ثم أوصله إلى الحداد الذي إستطاع بمهارته أن يجعل من التبر ذهباً خالصاً..

ومنذ ذلك اليوم تخصّص الإثنان في الصّياغة؛ يصنعان كل أنواع الحلي، فإزدهرت صناعتهما وصارا أثرياء.

وذات يوم أخبر الشاب الحدّاد بقصّته مع السلطان، فشجّعه هذا الأخير على العودة إلى القصر. 

وبعد أن صنعا تاجاً للسلطان وآخر للأميرة وجمعا الهدايا وجهّزا قافلة إتّجها نحو المملكة فإستقبلهما الملك بحفاوة، وفرح بالهدايا والتّاجين، ولمّا علمت الأميرة التي مرضت من صدمة فشل الزواج في السنة الماضية إستعادت عافيتها وصحتها وفرحت برجوع الفتى الهارب الذي صار صالحاً مخلصاً ومحترفاً بارعاً.

جدّد الحداد الخطبة فقبل الملك وتم الزواج وفرح الناس وسعد الشّاب والأميرة.


نلتقي غداً بخبريّة جديدة


#خبريّة وعبرة

/خدّام الرب/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.