من أروع القصص العالمية.. قصّة قصيرة نُشِرَت لأوَّل مرَّة سنة ١٩٠٤ في مجلَّة ستراند البريطانيَّة بقلم هربرت جورج ويلز.
يُحدِّثنا فيها المؤلِّف وكاتب القصَّة هذه عن مرض غريب إنتشر في قرية نائية معزولة عن العالم بجبال الأنديز فأصاب المرض سُكّان القرية بالعمى.
ومنذ تلك اللحظة إنقطعت صلتهم بالخارج ولم يغادروا قريتهم قَطّ، تكيَّفوا مع العمى وأنجبوا أبناء عُميان جيل بعد جيل حتَّى أصبح كلّ سكّان القرية من العميان ولَم يكُن بينهم مُبصِر واحد.
وذات يوم وبينما كان مُتسلِّق الجبال (نيونز) يُمارس هوايته إنزلقت قدمه فسقط من أعلى القمَّة إلى القرية.
لم يُصَب الرجُل بأذى.
إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجيَّة.
أوَّل مُلاحظة له كانت أنَّ البيوت بدون نوافذ وأنَّ جدرانها مطليَّة بألوان صارخة وبطريقة فوضويَّة.
فحدَّث نفسه قائِلاً :
لا بُدّ أنَّ الَّذي بنى هذه البيوت شخص أعمى.
وعندما توغَّل إلى وسط القرية بدأ في مناداة الناس، فلاحظ أنَّهم يمرّون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه هنا عرف أنَّه في (بلد العُميان).
فذهب إلى مجموعة وبدأ يُعرِّف بنفسه، من هو، وما هي الظروف الَّتي أوصلته إلى قريتهم وكيف أنَّ الناس في بلده (يُبصِرون).
وما أن نطق بهذه الكلمة.. حسّ بخطر المشكلة وإنهالت عليه الأسئلة : ما معنى يُبصرون ؟ وكيف؟ وبأيّ طريقة يُبصِر الناس؟
سخر القوم منه وبدأوا يقهقهون.
بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك حين إتَّهموه بالجنون وقرَّر بعضهم إزالة عيون (نيونز) فقد إعتبروها مصدر هذيانه وجنونه.
لم ينجح بطل القصَّة (نيونز) في شرح معنى البصر، وكيف يفهم من لا يُبصِر معنى البصر.
فهرب قبل أن يقتلِعوا عينيه وهو يتساءل كيف يُصبِح العمى صحيحاً بينما البصر مرضاً ؟!.
عزيزي القارئ...
"بلد العميان" هو كلّ مُجتمَع يسوده الجهل والفوضى والفساد والتخلُّف والفقر والعنف والتعصُّب بسبب أفكار غير صالحة ومُهَيمِنَة عليه وأيّ دعوة تنويريَّة تواجَه برفض وريبة وعنف.
بلد العميان هذا هو كلّ مُجتَمَع تسوده الطائفيَّة البغيضة وكره الآخر المُختلِف والتبرير لإيصال الأذى لكلّ من إختلف.
بلد العميان هو ذلك المُجتَمَع الَّذي يوجد فيه أفراد جلّ همَّهم ماذا يأخذون منه لا ماذا يُقدِّمون له.
بإختصار...
نحن نخشى أن نُبصِر مثل العالم فنرفض أيّ فكرة جديدة تُساعدنا على البصر.