ولكنها بالوقت ذاته عبارةٌ صعبةٌ وتحدٍّ قاسٍ لمن يرددها ، لماذا ؟.
- ربما لأنَّ كلمة قيامة كلمة نتصوُّرها بذهننا فقط ، أو عندما نحتفلُ بها في عيد القيامة وزمن الخمسين أو نسمعها في الجنازات ، أمَّا الاختبار الحقيقيّ للقيامة وقيامة المسيح فهو أختبار يجب أن يكون كلَّ يومٍ وكلَّ لحظةٍ. وهذا هو التحدي.
- إنَّ قيامةَ المسيح دعوةٌ إلى الثِّقةِ والرَّجاءِ ، وهي عربونُ الحياةِ الَّتي لا تموت ، فبقيامةِ المسيح ، يشعرُ الإنسانُ بأنَّه غير مخلوق للموت ، لأنَّ قيامةَ المسيح هي عربونُ قيامتنا ، تفتح أمامنا أفاقاً واسعةً للحياة ، وهي البذرةٌ الَّتي تُحوِّل العالم وترقى به، وتجعل منَّا مخلوقين خلَّاقين.
- فبموتِهِ يُحرُّرنا وبقيامتِهِ يَفتحُ لنا المدخل إلى حياةٍ جديدةٍ. هناك ارتباط كبير بين المناسبات التي احتفلنا بها : استقبال يسوع في الشعانين كملك على حياتنا ، وفي خميس الأسرار المحبة وبذل الذَّات ، وفي الجمعة العظيمة الآلامُ الخلاصيَّةُ المُحييةُ ، واليوم يُكَللُ كلُّ هذا في فرح القيامة واختبار قوَّة قيامة المسيح في حياتنا.
- يظهر لنا أن يسوع الذي عرفه مار بولس الرسول ونعرفه نحن ليس هو المصلوب فقط ولا هو المنتصر فقط ، وإنَّما هو المصلوب القائم. تمامًا مثل خميس الأسرار فيسوع يؤكد أنَّه السيِّد والرَّب ، ولكنَّه يغسل أقدام تلاميذه وهو عمل الخادم ، لذلك فهو السيِّد الخادم أو الخادم السيِّد.
- فالحب أقوى من الموت ، حيث الحب أهم من الحياة أي الاستعداد بالتضحية في سبيل مَن نحبّ. بهذا الحبّ أحبنا يسوع ، حبّه لنا ولأبيه السماوي الـقـُدُّوس ، ولم يتراجع أمام الموت بل أجبر الموت على التراجع أمام حبه. وحده حب المسيح لأنه متحدٌ بقوَّة الله الآب يمكن أن يمنح حياةً وخلودًا وهذه هي قوَّة قيامة المسيح. فبموته يحررنا من الخطيئة وبقيامته يفتح لنا المدخل إلى حياة جديدة ، كما يؤكده مار بولس الرسول بقوله : "فدفنا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن أيضًا حياة جديدة…". وقوَّة قيامة المسيح ينالها الإنسان بنواله سرّ المعموديَّة ، الذي هو الاشتراك في موت وقيامة المسيح ، ونوال الولادة الروحيَّة الجديدة.
- كما يقول القديس بطرس في رسالته الأولى :
" تبارك الله أبو ربِّنا يسوع لأنَّه شملنا بفائق رحمته ، فولدنا بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات ولادةً ثانية ً لرجاءٍ حي". اختبار القِيامَة والشهادة لها ، نعم نَرى أنّ الشعوب تتغَّير واللغات والتعابير والعادات والاحتفالات والمؤسسات المسيحيَّة وتفرَّعت كثيرًا منذ العنصرة وسوف تتبدل وتتفرع ، ولكنَّ الأمر الوحيد الثابت المشترك ، بيننا وبين الرسل وبين كل أجيال الكنيسة ، هو الإيمان بيسوع القائم من الأموات. وهذه البشرى اهتزّت لها الأرضُ فرحاً منذ أكثر من ألفي عامّ.
- إنَّ اختبار القيامة والشهادة لها ، هو انطلاقاً من معرفتنا بيسوع المسيح المصلوب القائم من بين الأموات.
- فالكنيسة في جوهرها شهادةٌ لقيامة المسيح ، وما تاريخ المسيحيَّة سوى لقاءات بشر بيسوع ، وما القدِّيسون سوى شهود يعلنون أنَّ يسوع لم يمت ومازال فاعلًا في العالم ، فموت يسوع وقيامتُه غيرا مجرى التَّاريخ.
- إنَّ قيامة المسيح أسست بشرية جديدة ، ووضعت قيمّاً روحية تقود الفرد والأسرة والمجتمع في طريق النور والخلاص ، وعلَّمت أنَّ الحياة أقوى من الموت ، وأنَّ الإنسان يحملُ رسالةً من الله ، ومسئولية عن أخيه الإنسان وعن الكون.
- عيد القيامة هو عيدٌ لقيامةِ ويقظةِ ضميرِ وقلبِ وعقلِ كلِّ إنسانٍ. فالحياة بعد قيامة المسيح اتخذت مسارًا جديداً ، وأخلاقاً جديدة ورجاء جديداً. آمــــــــــــين.