وُلدت العذراء من والدين عاقرين هما يواكيم وحنّة، اللذان نذرا، إن رزقا ولداً، أن يكون هذا المولود للرب.
لذا، عندما وُلدت مريم، إصطحبها والداها لتعيش في قدس الأقداس، أي في الهيكل الذي لا يدخله أحد سوى رئيس الكهنة مرة في السنة.
هناك، كانت الفتاة تقضي نصف يومها منتصبة للصلاة والتخشّع، ثمّ تتابع يومها بالأعمال اليدوية، رئيس الكهنة الَّذي إستقبل الفتاة مريم عند دخولها الهيكل، هو زكريّا إبن برخيا والد يوحنّا المعمدان.
كلامه لزكريّا يحتوي في قسمه الأوّل ما قالته مريم عندما زارت نسيبتها أليصابات، زوجة زكريّا، الَّتي إستقبلتها بعبارة: من أين لي هذا أن تأتي إليّ أم ربي؟! ( لوقا ١ / ٤٣ )، فأجابت مريم: تعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنّه نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال ( لوقا ١ / ٤٦-٤٨ ).
أمّا القسم الثاني، فيحتوي على ما قاله سمعان الشيخ عند دخول الرب يسوع إلى الهيكل: الآن تطلق عبدك أيها السيّد على حسب قولك بسلام، لأنّ عينيَّ أبصرتا خلاصك الَّذي أعددته أمام كل الشعوب (لوقا ٢ / ٢٩ - ٣١ ).
منذ البداية، ربط زكريا بين مريم والخلاص الآتي بالمولود منها، أي إن العذراء، بلا المسيح، هي إنسانة عادية.
نتعلّم من هذا الأمر أن كل واحد منا، إن لم يدخل المسيح إلى حياته، لا يصل إلى التألّه، إلى الغاية التي يبتغيها كل مسيحي، والَّتي وصلت إليها العذراء مريم التي يقول عنها النبي داود: قامت الملكة عن يمينك مزيّنة وموشحة بثوب مذهب ( مزمور ٤٥ / ٩ )، وكما يقول مار بولس الرسول : أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني هكذا، تقوت العذراء بالمسيح الذي حل في أحشائها بعد مغادرتها قدس الأقداس، لتكون مثالا لكل إنسان، إذا كان مع الرب، يكون الرب دائما معه، ويولد من خلاله تماما كما حصل مع العذراء مريم، وعندئذ نكون آنية لكلمة الله المخلصة للبشر.
العذراء مريم لم تستغن بنفسها ، أمّا الإنسان الغني تكبر وانتفخ بسبب ما وصل إليه من غنى، فيما العذراء، التي وصلت إلى كمال الغنى الإلهي، بقيت على تواضعها، لا بل أصبحت مدرسة في التواضع، وجلست عن يمين ابنها في السماوات، بينما الغني في إنجيل اليوم هلك بسبب كبريائه.
يقول لنا السيّد الربّ :
هكذا من يدخر لنفسه ولا يستغني بالله.
الغني تعلق بالماديات وإستغنى بها فأهلكته، والعذراء إستغنت بالمسيح فمجدها. آميـــــــن.
/الخوري جان بيار الخوري/