لنتأمل اليوم في مريم العذراء أم الكنيسة المقدسة٬ إن الله قد اختار مريم من قبل انشاء العالم واصطفاها من بين البشر وملأها كل النعم، فـأصبحت أول هيكل ومسكن للروح القدس وأول بيت قربان لإبنه الحبيب الكلمة المتجسّد يسوع المسيح هي الابنة المطيعة الوديعة المتواضعة والأم الرؤوف الحنونة التي شاء الأب أن يوكلها على جسده السري أي (الكنيسه المقدسة) فكانت شريكة بسر التجسد فوهبت جسداً لمانح الحياة وشريكة بسر الفداء وقد جاز في نفسها سيف الحزن على ولدها المصلوب بايدي الجنود اننا نراها حاضرة وترافق الكنيسة منذ نشأتها تجمع التلاميذ حولها بعد موت وحيدها بالعلية، وفي اليوم الخمسون يحل الروح القدس على التلاميذ والعذراء حاضرة في وسطهم وهي حاضرة اليوم، ولا زالت وسطنا ومعنا ايضاً بشفاعتها لنا عند ابنها وصلاتها من اجل ابنائها كافهً ، ميلاد مريم العذراء غيّٓر وجه الأرض المشوه بالخطيئة ، وحوّل تيار التاريخ.
وبواسطة هذا الميلاد ، أعاد الله ، الرب الخالق للخليقة،رونقها وبهاءها الأصليين.
وكان هذا الميلاد صفعة بوجه البشرية المتدنيّة ، فلم تستطع الخطيئة ونتائجها ، من الكراهية والبغض والشهوة والأنانية ، السيطرة على مريم ، فحُبِل بها بلا خطيئة أصلية.
فاستمتعت مسبقاً بإنعام المسيح الفادي الخلاصية.
والله الآب أدهش بإختياره العذراء مريم ” أُمّاً ” لإبنه الوحيد ، وبميلادها العجيب ، الشعب المختار وخاصة رؤسائه ، المتشرد بفلسفات مختلفة ، والبعيدة كل البعد عن منطقه الإلهي ، ودعاه للرجوع إلى أصالته : ” من أجل قساوة قلوبكم ، سمح لكم موسى في طلاق نسائكم ، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا ” ( متى ١٩ / ٨ ).
واختيار الله الآب مريم العذراء من بين بنات جنسها ، الغير المدّنسة ، والتي عاشت ببساطة قروية ، وعملت بوداعة ابناء الله.
وعند إنتهاء ازمنة الإنتظار : ” أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة ، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داؤد ، اسمه يوسف ، واسم العذراء مريم ، فدخل إليها فقال : افرحي ، أيتها الممتلئة نعمةً ، الرب معكِ ” ( لوقا ١ / ٢٦ – ٢٨ ).
بالميلاد ، العجيب بنوعه ، قٓلٓبٓ المسيح المفاهيم ، مُفتشاً لميلاده مكاناً في مدينة صغيرة لا في القصور ، واختار ابنة من بيت متواضع ، لا ملكة او أميرة : ” وانتِ يا بيت لحم ، أرض يهوذا لستِ أصغر ولايات يهوذا ، منك يخرج الوالي الذي يرعى شعبي إسرائيل ” ( متى ٢ / ٥ ).
ولمًا ظهر لها ، سيد السماء والأرض ، لم يفرض إرادته عليها ، بل اقترح عليها ما كان مزمعاً القيام به ، وانتظر موافقتها ” ها أنا أمة الرب فليكن بحسب قولك ”.
فالمحبّة لا ترغم ولا تجبر أحداً ، بل تجذبه إليها.
والمحبة لا تُكبّل أحداً ، بل تحرره من كل ما يستعبده.
والمحبة لا تعمل بالغوغاء والفوضى ، بل تُبدع بالهدوء والصمت.
وميلاد العذراء مريم أصبح أيضا ميلاداً لعقلية جديدة.
لأن المحبة تحث على الإدراك والمعرفة الكاملة والحقيقية.
ولمّا سمعت مريم سلام الملاك ، وادركت جوهر رسالته وإرادته الإلهية ، ادركت بوضوح كلّي ، اقتراحه بكل جوانبه ومتطلباته.
وبكل مسؤولية أعطت موافقتها لدعوته تعالى ، فانسجمت معها والتزمت بها ، رغم أنّ الطفل ” جُعل لسقوط كثير من الناس وقيام كثيرٍ منهم وآيةً معرّضة للرفض.
وانت سينفذ سيف في نفسك لتنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة ” ( لوقا ٢ / ٣٤ ).
يا مريم يا أم الكنيسة اشفعي فينا. آميـــــــن.
عيد مُبارك للجميع.
/الخوري جان بيار الخوري/