14 Sep
14Sep

عيد الصليب الّذي نحتفل به ليس هو مجرّد تكرار لتقليد تاريخيّ كنسيّ عريق وراسخ في القدم فحسب، بل هو مشاركتنا نحن المؤمنين اليوم بالإيمان الواحد الّذي يجمعنا بالإخوة الّذين سبقونا وأوصلوا الينا معنى إكرام الصليب الأقدس.


وهو من ناحية أخرى عيش لمعنى الصليب في حياتنا، ليس الصليب علامة الألم والعذاب والموت، إنّما علامة الإنتصار الّذي أعطانا إيّاه المسيح بانتصاره هو على الموت، وبانتصار الرجاء على اليأس.



"ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه"، عبارة قالها الرّب وطبّقها من أجلنا حبّاً بنا ورغبة بخلاصنا، هي عمل حبّ وفعل تضحية ولا أعظم، حقّقها الرّب مجّاناً لأنّه يحبّنا.


الصليب بالنسبة لنا هو ضمانة حبّ الله المجّانيّ لكلّ واحد منّا، ولا بدّ أن يصير علامة حبّنا للآخرين وخدمتنا لهم وتضحيتنا من أجلهم.


إن لم نضع منطق التضحية والخدمة وبذل الذات موضع التطبيق، يصبح الصليب عقيماً في حياتنا، لا يعطي ثمار الخلاص لإخوتنا الّذين هم في العالم.


الصليب هو حبّ الله الآب لنا، آب تألّم هو أيضاً من أجلنا، إذ بذل ابنه الوحيد حبّاً بنا.


بالصليب نختبر بنّوتنا للآب السماوي ونوقن أنّه هو أبونا.


علامة الصليب التي نكرّمها في كنائسنا، ونضعها فوق أبوابنا وفي صدر بيوتنا وعلى صدرنا فوق قلبنا، هي العلامة التي أعلم من خلالها أنّني ابن ملك سماويّ أحبّني، أراد أن يجعلني إبناً له بالتبنّي، وأن يشركني في ملكوت حبّه الأبديّ.


هو رمز الحبّ الّذي يضحيّ، يبذل أثمن ما يملك في سبيل الحبيب: الصليب هو علامة حبّ الآب لنا، الّذي لم يبخل على العالم بابنه في سبيل الخلاص.


هو علامة التضحية التي يتعلّم من خلالها كلّ والد ووالدة حسّ التضحية ومعنى أن يكرّسا وجودهما وحياتهما في سبيل أولادهم.


في منطق أبينا السماويّ تجد التربية المسيحيّة معناها وغايتها، منه نتعلّم أن تكون حياتنا كلّها مكرّسة لتربية أولادنا، لا من الناحية الجسديّة والثقافيّة فقط، بل من الناحية الروحيّة بالمرتبة الأولى.


كلّ عطيّة لنا هي من الله، الّذي لم يكتفي بأن يعطينا الغذاء والمعرفة، بل أعطانا بالمقام الأوّل أن نحيا بعدنا الرّوحي، فلا يكون وجودنا مقتصراً على وجود ماديّ جسديّ مائت، بل أعطانا أن نعي اختلافنا عن المخلوقات الأخرى من ناحية كوننا مخلوقين على صورة الله ومثاله.


من خلال الوحي والأنبياء والمرسلين أفهمنا الله قيمتنا، ورغم خطيئتنا بقي وفيّاً، الى أن أرسل ابنه الوحيد متجسّداً، ليقاسي الموت من أجل خلاصنا، ،هكذا بقي لنا الصليب علامة حبّ الآب لنا، وضمانة قيمة وجودنا، لا ككائنات حيوانيّة، بل كمخلوق يأخذ ملء كرامته من حقيقة وجوده كابن لله، مخلوق على صورته ومُفتدى بدم الإبن.


لقد صار الصليب علامة هذه القيمة، وتعبيراً عن حبّ الله لنا.


فكيف نربّى نحن الّذين آمنوا بالصليب أولادنا؟ هل نقدّم لهم منطق الآب السماويّ؟ هل نجعلهم يعون قيمتهم كأبناء لله أم أنّهم يكبرون واهمين أن الحياة هي اللّهو واللّذة والمادّة؟ هل نضع وجودنا في خدمتهم كرسالة وكمسؤوليّة من الله، كما أن الله وضع كلمته في خدمة خلاصنا وأحبّنا فلم يبخل علينا بابنه؟ هل نعلّمهم قيمة الصليب كفعل محبّة وبذل الذّات في سبيل المحتاج والمتألّم أم نربّيهم على الفرديّة والأنانيّة وعدم الإكتراث بالآخر؟ هب نحيا الصليب في حياته أم نجعله مجرّد أداة زينة في أعناقنا؟ هل نجعل الصليب يثمر خلاصاً للإنسانيّة في أيّامنا وبواسطتنا، أم صار مجرّد لحظة تاريخيّة تذكّرنا بحدث قديم إنتهى وعبر؟والصليب هو علامة حبّ الإبن الّذي وهبنا الخلاص. آميـــــــن.


عيد مُبارك للجميع.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.