HTML مخصص
04 Feb
04Feb

شرح القدّيس يوحنّا فم الذهب كلمة “الغني مات وقُبر” أنَّ نفسه لم تنل رحمة الله، لأنه كان في حياته على الأرض مقبوراً في الجسد والتباهي باللباس الفاخر، وفي التنعُّم بالمأكل والمشرب.

وعدم تسمية الغني باسم خاص يُعرَف به، إنّما يدلّ على أنه كان منسيّاً ومجهولاً من الله، لكونه عاش بعيداً عنه، ولم يشأ يوماً أن يفتح أذنه ليسمع صوته، أو قلبه ليقبل محبته، أو عينه ليرى نور وجهه في عطاياه له، وفي لعازر الفقير المنطرح على بابه.

وكأنَّ هذا الواقع مأخوذ من المزمور ٩ الآية ٦ : “عندما حكمتَ لي، يا رب وقضيتَ، جالساً على العرش ديّاناً عادلاً، وقمعتَ الأمم وأبَدْتَ الأشرار، محوتَ اسمهم مدى الدهور”.

تقرأ الكنيسة نص لعازر والغني في تذكار الموتى المؤمنين، لتدعونا إلى عيش المحبة الاجتماعية والرحمة تجاه كلِّ إنسان، لكي ننال الخلاص.

فالمحبة والرحمة هما الطريق إلى الله وسعادة السماء.

أما الجشع والطمع والأنانية فهم الطريق إلى الهلاك وآلام جهنّم.

وتذكِّر الكنيسة أيضاً بعدم الفصل بين الموت والحياة.

لقد وُلدنا لنموت، والموت يعني باب العبور إلى الوجود الأبدي الذي لا ينتهي.

يقول القديس أغوسطينوس أنَّ في الحياة طريقَين: “إمّا تنظلق من الله، فتنسى ذاتك، وتمتلئ من نعمه وحقائقه وقيمه، فتصل إليه؛ وإمّا تنطلق من ذاتك، فتنسى الله، وتفتقر منه، وتمتلئ من ذاتك، فتُضيِّع الله”.

الغني سلك الطريق الثاني، ولعازر سلك الأول.

لقد نبّهنا الله بلسان يشوع بن سيراخ: “في جميع أعمالك، أذكر أواخرك فلن تخطأ أبداً” (٧ / ٣٦).

ابن الله نفسه صار إنساناً، ولد لكي يموت فداءً عن كل إنسان.

وقام من الموت ليجعل الموت عبوراً إلى مجد السماء، لا إلى شقاء الجحيم، للذين يسلكون طريق المحبة والرحمة.

نولد ونموت من دون قرارٍ منّا.

لكن نوعية حياتنا هي بقرار شخصي لكل واحد منّا بواسطة ثلاثة: العقل ليسلك في نور الحقيقة، والإرادة الحرّة لتختار ما هو حقٌ وخير وجمال، والقلب ليُحبَّ ويتحنّنَ ويرحم.نحن لا نعرف مصير موتانا، لكنّ الكنيسة تُعلّمنا أن الذين حافظوا على الحقيقة والخير والمحبة، وماتوا في صداقة الله، وبما أنهم ارتكبوا الخطايا والشرور في حياتهم، ثمّ ندموا عليها ونالوا الغفران من الله على يد الكنيسة وخدمة الكهنوت، فإنّهم يمرّون في حالة آلامٍ تُنقّيهم وتطهّرهم وتؤهِّلهم للعبور إلى مجد السماء حيث القدوس والقديسون.

هذه الحالة تُسمّى المطهر.

وتدعونا الكنيسة لنصلّي من أجل تخفيف آلامهم وراحتهم في السعادة الأبدية.

الصلاة من أجل الموتى تقوم على ذكرهم في صلواتنا اليومية، وتقديم قداديس لراحة نفوسهم، والقيام بأعمال رحمة ومحبة من أجلهم ومن أجل راحة نفوسهم، وجعل آلامنا وأفراحنا وأعمالنا وحياتنا قرابين روحية نضمّها إلى قربان الرب يسوع من أجلهم.

وبما أنَّنا نعيش مع موتانا في شركة القديسين، فإنهم بدورهم يتشفّعون من اجلنا عند الله، وينالون لنا نعمه وبركاته.

وهذا اختبارٌ يعيشه الذين يحيون في شركة صلاة مع موتاهم. آمــــــــــــين.


أحد مُبارك للجميع.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.