HTML مخصص
25 Feb
25Feb

زمن الصوم هو المناسبة الأمثل للصلاة.

لا ينفصل الصوم عن الصلاة، كما نجد في دعوة الربّ يسوع المتكرّرة.

الإلحاح في الالتماس علامة الإرادة الواعية والمدركة، وبالتالي علامة إيمان ثابت وأكيد، يرجو ويحبّ.

كلّ هذه الميزات تؤمّن استجابة الصلاة.

ما يعني أنّ النعمة لا تعمل من دون مساعدة المؤمن.

وتأتي حادثة شفاء المرأة النازفة، فيما كان يسوع ذاهبًا مع يائيروس، والجماهير تزحمه من كلّ جانب، ويسير بصعوبة، مثلما نشهد في الاستقبالات الجماهيرية ، في هذه الأثناء أتت المرأة من الوراء، خوفًا من أن ينكشف أمرها، لأنّ الشريعة كانت تعتبرها نجاسة، وتمنعها من لمس الأشياء والأشخاص لئلّا يتدنّسوا.

وصمّمت المرأة، بوحي من إيمانها بقدرة يسوع، أن تلمس ثوبه.

فإذا تمكّنت شفيت.

وهذا ما حصل.

إنّه وجه آخر للصلاة التي تلتمس: أعني الصلاة الصامتة الظاهرة بالافعال، والدالّة على إيمان عميق.

بفعلتها تجنّبت المرأة الشكوك.

اندسّت بين الجماهير وكأنّها مجهولة من الجميع، ولمست في الزحمة طرف ثوب يسوع.

وكانت على يقين أنّها لن تدنّس يسوع بلمسها ثوبه، بل على العكس ينقّيها هو من نجاستها.

إنّها بذلك لم تخالف شريعة موسى، بل رفعتها إلى ربّ الشريعة الذي يعطيها روحًا ويؤنسنها.

فالشريعة، إذا خلت من روح ينعشها بالرحمة والإنصاف والمشاعر الإنسانيّة، أصبحت حرفًا يقتل على ما يقول بولس الرسول: “الحرف يقتل، والروح يُحيي” ( ٢ كور ٣ / ٦ ).

لقد وجدت المرأة طبيبها الحقيقي بعد أن أنفقت كلّ مالها على الأطبّاء من دون جدوى مدّة اثنتَي عشرة سنة.

الطبيب الحقيقي هو يسوع المسيح.

عالم اليوم ضائع منهمك في كثرة البحث عن سعادة على وجه الأرض، وقلّما يجدها.

إنّه عالم منهمك بالركض وراء المادّيات، ولذلك يبقى متوتّر الأعصاب وغير سعيد في داخله.

كم هي صادقة كلمة القدّيس اغوسطينوس : “لقد خلقتَنا لك، يا ربّ، ويبقى قلبُنا قلقًا مضطربًا فينا، إلى أن يستقرّ فيك!” ، لقد فاجأها يسوع وكشف أمرها، بسؤاله: “مَن لمسني؟ – إن واحدًا لمسَني، لأنّي شعرتُ أنّ قوةً خرجت مني!”.

كلّ إنسان ينزف من جرّاء معاناة في جسده أو روحه أو معنويّاته أو أخلاقه.

وتمثّل كلّ مجتمع ينزف في حضارته وتقاليده وقيمه، وكلّ وطن ينزف في سيادته وهويّته واقتصاده وأمنه وكرامته.

إنّ شفاءها هو ضمانة لشفاء كلّ شخص منّا، وشفاء مجتمعنا ووطننا.

أتت المرأة خلسةً من وراء يسوع وبين الجمع الغفير، لتلمس طرف ثوبه وتشفى، لأنّ الشريعة القديمة كانت تعتبر نزيف المرأة نجاسة، وتمنعها من لمس أيّ شيء لئلا يتنجّس، وتمنع أي شخص من لمسها لئلا تنتقل إليه النجاسة.

فأملى عليها إيمانها أن تلمس طرف رداء يسوع، بنيّة الشفاء.

النيّة أساسيّة في الصلاة وفي كلّ عمل صالح، لأنّها تحدّد الغاية والهدف وتوصيف العمل، وتُعطي قيمة ومعنى لكلّ صلاة وعمل.

فهي التعبير عن مكنونات القلب والفكر، وعن الإرادة الداخليّة.

لم تخالف المرأة النازفة الشريعة بلمس رداء يسوع، بل أتت بإيمان إلى ربّ الشريعة لأنّه أقوى من حرفها الذي يقتل.

فالشريعة هي للإنسان، لا الإنسان للشريعة.

لذا، أراد يسوع أن يكشف ذلك أمثولةً لجميع الأجيال. آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.