HTML مخصص
17 Feb
17Feb

زمن الصوم : إنه زمن توبة واستعداد لعيد الفصح في آن.

وطوال أسابيع الصوم، وقبل الدخول في أسبوع الآلام، تقوم الكنيسة، عبر طقوسها المنوّعة بدرب صليب طويل.

وعلى درب الصليب هذه ، بشارة يسوع المسيح في محطّاطها الأساسية.

وتتوالى المحطّات انطلاقاً من مشهد قيصرية فيلبّس ، ومن خطاب يسوع في الآلام والصلب والموت : فتتوقف الآحاد على أهم الآيات : آية قانا الجليل ، والأبرص ، والنازفة ، والإبن الضال ، والمخلع ، والأعمى ، والصبي الذي فيه روح نجس ، والمرأة الزانية ، وعبد قائد المائة ، وإقامة ابن الأرملة.

وتتألق الأسابيع بالصوم والصلاة وأعمال التوبة : فيبدأ الصوم ، يوم الاثنين ، (اثنين الرماد) برتبة المسامحة ، وفيها أناجيل التوبة والمسامحة ، وينتهي بالرتبة نفسها يوم سبت لعازار ، ختام الأربعين.

وتتوالى حفلات الصلب : في زياحات ، وسجدات ، وفي الدعوة الملحّة لحمل الصليب واتّباع المعلم.

الصوم في الترتيب السرياني – الماروني تكرّس الكنيسة السريانية – المارونية للصوم المبارك ستة أسابيع ، تبدأ بأحد مدخل الصوم ، بآية تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل ، وتنتهي السبت بآية قيامة لعازار من الموت.

وفي كل أحد من الآحاد الستة ، تتوقف على آية من آيات الربّ يسوع.

وآية عُرس قانا الجليل تشكل جسراً بين زمن الغطاس (زمن الظهور الإلهي) حيث أظهر يسوع مجده وبين سلسلة الآيات اللاحقة.

الأسبوع الأول من الصوم مكرّس للصُوم والصلاة والتوبة.

وفيه رتبة رش بالرماد على الرؤوس ، مأخوذة من الترتيب اللاتيني ، ورتبة زياح الصليب مساء كل جمعة.

الكنيسة الجامعة المقدسة تضع على أبواب الصوم إنجيل تجارب يسوع في البرية.

الرقم ٣ في الكتاب المقدس هو رقم الكمال ورقم مبارك ، ولكنه رمز أيضا للأبدية واللانهاية.

فالتجارب الثلاث تحوي كل التجارب ، وهي رمز لانتصار يسوع الباهر على جميع حيل الشيطان.. فانسحب من أمامه إبليس إلى حين ، ليعود يجربه بعد ٣ سنين مع تجربة الصليب !.

الصوم هو زمن المعارك الروحية ضد كل ما هو خبيث ورديء ومبتذل وثقيل في حياتنا ، اي ضد كل ما هو شر.

الصوم زمن نعمة ورحمة وغفران ومصالحة مع الله والناس أيضاً.

الصوم هو زمن التخلي والترفع (المرفع) عن كل كنوز الأرض والسعي الحثيث لنيل كنوز المحبة والتقوى والأعمال الصالحة حيث لا لصوص ولا سوس ولا خوف.

هو زمن التجلي إلى حضرة الأب الرحوم الذي خلقنا على صورته ومثاله وافتدانا بإبنه الوحيد.

متطلبات الصوم كما أوصانا المسيح.

"ومَتَى صُمْتُم، لا تُعَبِّسُوا كَالمُرَائِين، فَإِنَّهُم يُنَكِّرُونَ وُجُوهَهُم لِيَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُم صَائِمُون. أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُم قَدْ نَالُوا أَجْرَهُم. أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ،لِئَلاَّ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِم، بَلْ لأَبِيكَ الَّذي في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك."

يسوع يغلب بسبب طاعته التامة لإرادة أللـه.

كيف تغلب يسوع على الشيطان بعد ٤٠ يوما وليلة؟

ما المقصود من هذه التجارب؟

لماذا يخضع يسوع للتجربة وهو ابن الله؟.

أرسل اله في العهد القديم الكثير من الأنبياء ليحملوا رسالته إلى الشعب المختار.

ولكن هؤلاء الأنبياء خضعوا للامتحان حالهم حال سائر البشر، من اجل إثبات جدارتهم وقابليتهم فيحمل الرسالة السماوية بإخلاص إلى البشر.

هكذا دخل إبراهيم وهو أب المؤمنين التجربة في ذبيحة اسحق ، وقد عبر الامتحان ، من خلال طاعته التامة الكاملة لأمر الله.

موسى المعروف بكليم الله ، أي الذي كان متعودا على مكالمة اللـه ، ونقل شكاوي أبناء إسرائيل للـه ، فشل في إطاعة الله إطاعة كاملة.

زلة صغيرة في تنفيذ أوامر اللـه كان عقابه ان لا يدخل ارض الميعاد بل ان يراها عن بعد قبل مماته ، فاطل عليها من جبل موسى.

- يونان، النبي خضع للامتحان أيضا ، وأراد الهروب من الرسالة التي أوكلها اللـه له بالذهاب إلى تبشير نينوى ، عقابا على هروبه ابتلعه الحوت ٣ أيام ، ليتوب ويعود من جديد ، ويتحمل مسؤوليته كنبي... أنبياء آخرين كثيرون خضعوا لمثل هذه الامتحانات كايوب الصديق واخرون غيره... يسوع ، لم يَسلم هو أيضاً من هذا الإمتحان، لماذا يا ترى؟

وان كان هو قد تغلب على الشيطان ، فكيف يمكننا نحن ان نتغلب عليه؟

الامتحان في الكتاب المقدس لا يُخضع الله عبيده لامتحان ظالم ، ولا يعاقب احد بخطيئة اخر .

الامتحان في الكتاب المقدس ، كالذي خاضه يسوع ، هو امتحان تقوية ، امتحان كفاءة ، امتحان لشد العزيمة.

صحيح ان الشيطان ياتي كالسارق ، في وقت غير معروف، لكنه يأتي ايضا في حالة الضعف عندما تخور قوى الانسان، النفسية، او الجسمية، العقلية او البدنية...او كلها معا. ان الشيطان يقنعنا رويدا رويدا من ان رغبتنا وارادتنا ومشيئتنا يمكنها ان تتغلب على ارادة اللـه.

وهكذا تبدأ مكائده وحيله، ونحن ننساق وراءه معتقدين اننا احرار، ونستطيع ان نفعل ما نريد بحياتنا.

الكثير من الناس يقول لنا عندما نتكلم عن تجارب يسوع "بالطبع تمكن يسوع من التغلب عليها لانه هو ابن اللـه، اما نحن فالوضع مختلف معنا، نحن ضعفاء! "هذا الجواب ليس كله صحيحا، كما وليس كله خاطئا.

بالتاكيد ان يسوع لم يتغلب على التجارب كونه انسانا فقط! بل من خلال لاهوته الذي لم يفارق ناسوته ولا لحظة واحدة منذ تجسده على الارض، من مريم العذراء.

هذا من جهة.

من جهة ثانية يجب ان نعلم بان يسوع هو آدم الجديد، هو الذي صالح وارجع العلاقة المكسورة بين اللـه والبشر تلك التي دُمرت بخطيئة ادم، وعدم طاعته للـه مع امنا حواء.

يسوع بطاعته الكاملة لابيه السماوي، ردم الصدع الذي صنعه ادم.

وبذبيحة صليبه جعلنا نشترك نحن ايضا معه، فغفر خطايا جميعنا، وجعلنا ان نكون ابناء الله بالتبني، وشركاء بالميراث.

آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.