HTML مخصص
15 Mar
15Mar

قامَ الرَّجُلُ وحمَلَ فِراشَهُ في الحالِ وخرَجَ بِمَشْهدٍ مِنَ الحاضِرينَ.

فتَعجَّبوا كُلُّهُم ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: "ما رأينا مِثلَ هذا في حَياتِنا!"

غريب أمر هذا المُخلع ، لم يفعل شيئاً، لم يطلب شفاءه، لم يُعلن إيمانه، لم يشكر الرّب على عطيّته، جلّ ما فعله هو تنفيذ أمر يسوع له، أن يحمل سريره ويذهب الى بيته.

فالمقصود لم يكن إيمان المُخلع فحسب، بل الجماعة الحاضرة يومها، إنّما خاصّة الجماعة المؤمنة ،كانت جماعيّة، كنسيّة، ابتدأت في "البيت"، إشارة واضحة الى الكنيسة الأولى، وانتهت بإرسال الرّجل الى بيته، أي أن الإيمان والشّفاء الّذين نالهما هذا المُخلع لا يمكن أن يدفنا في بيت بطرس، أو ينتهيا لحظة مغادرة الجماعة، بل هي رسالة يحملها المؤمن المشفيّ، الّذي غفر له الله خطاياه، بأن ينقل ما ناله الى خاصّته، أن يكون رسول الشفاء والمغفرة.والنّص قد ابتدأ أيضاً بالجماعة التي حملت المُخلع الى يسوع، إنّما انتهى بطريقة معاكسة تماماً: لقد حمل المُخلع الإيمان الى الجماعة "فدُهشوا وتعجّبوا ومجّدوا الله".

لقد كان المُخلع بطلاً صامتاً، لم يتكلّم سوى بحمله إرادة الرّب: شفاه الرّب فشكره بوقوفه أمام الجماعة حاملاً هو السرير بعد أن حمله السرير سنيناً طوال.

كما النازفة والأبرص، يقف أيضاً المُخلع أمام الجماعة ويعلن ما تمّ في حياته، فالشفاء لا يمكن أن يكون فرديّاً، ولا المغفرة أيضاً، بل هما نعمة ننالها لنغيّر من خلالها حياة الآخرين، ودون هذا العمل يكون ما فعله المسيح في حياتنا عقيماً.

مغفرة الله هي مصدر كلّ شفاء: إن جسد الرجل المُخلع ، غير القادر على الحركة، على أخذ المبادرة، على التحكّم بقراراته أو بمكان وجوده، هو الرجل الّذي انغلق وجوده بأسره على سرير لا يغادره، وعلى صدقة يطلبها، متعلّق كليّاً بحسنة الآخرين يرفعونه وينقلونه، كلّ هذا هو صورة ملموسة عن عمل الخطيئة في حياتنا: فالخطيئة التي غفرها يسوع لها النتيجة ذاتها، تتحكّم بنا، تمنعنا من الوصول الى الجمال الحق، والخير والأسمى والسعادة الأعمق.

الخطيئة تجعلنا مُخلعين غير قادرين على النموّ بالروح، بل تجعلنا مأسورين دوماً بحالتنا البعيدة عن الله، تعمي ضميرنا فلا نأخذ مبادرة العودة الى الله، نرتبط بواقع الخطيئة ولا نعود نقوى على الخروج منه.

مثل هذا المُخلع ، تغرقنا الخطيئة في ظلمة تحيط بنا، تنقطع كلّ علاقة وكلّ حوار مع الله، نلغيه من وجوداً رفضاً أو خجلاً أو يأساً.

هي سواعد الأصدقاء حملت المُخلع نحو يسوع، وهي صلاة الكنيسة تحملنا نحو سماع كلمة المغفران الإلهيّة.

المُخلع المتألّم سمع يسوع يناديه "يا بنيّ"، وبمغفرة الله نسمع الكلمة ذاتها نحن أيضاً.

الله الّذي رفضناه وأغلقنا باب قلوبنا أمامه، هو نفسه ينادينا "يا بنيّ"، فالله لا ينسى محبّته ولا يتراجع في خلاصه، هو المنتظر دوماً. آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.