HTML مخصص
01 Dec
01Dec


في العدد الأخير من الصحيفة الشهرية "Donne Chiesa Mondo" التابعة لصحيفة الأوسرفاتوري رومانو، مقال حول التقوى الشعبية في تعليم الباباوات من بولس السادس إلى اليوم.

البابا يمشي وحده، بخطوات بطيئة محمّلة بالآلام، في وسط روما لكي يذهب إلى كنيسة " San Marcello al Corso" حيث يوجد صليب خشبي من القرن الرابع عشر تعتبره عجائبي أجيال من سكان روما.
لم يكن هناك أحد بانتظاره أو ليحييه على طول الطريق، فقط بعض عملاء الدرك لمرافقته.
"تطواف" انفرادي ولهذا السبب بالتحديد يحمل قوة رمزية غير عادية.
بعد بضعة أيام، عند المساء صلّى البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس الفارغة، معه فقط ذلك المصلوب الذي كرّمه قبل أيام قليلة وأيقونة العذراء مريم " Salus Populi Romani" التي رافقت أحداث شعب روما لعدة قرون.
من بين الصور التي قدمتها لنا الفترة المأساوية التي نمر بها بسبب الوباء، ستبقى هذه اللقطات بالتأكيد محفورة في ذكريات الملايين من الناس.


تجدر الإشارة إلى أن هاتين الوقفتين الروحيّتين، ترتبطان بالتقوى الشعبية التي بدأها البابا فرنسيس، أسقف روما، الذي أراد، كأول عمل عام بعد انتخابه، ان يكرّم العذراء الأم، في بازيليك مريم الكبرى، ليعود بعدها عشرات المرات بمناسبة زياراته الرسولية.
تقوى قديمة الأيام.
في الواقع، كان خورخي ماريو بيرغوليو، منذ سنوات خدمته الأسقفية في بوينس آيرس، يقدّر دائمًا تقوى البسطاء.
فبالنسبة للبابا المستقبلي، كان السير مع شعب الله نحو المزارات - ومن بينها مزار العذراء سيّدة لوخان - وسيلة مميزة للتحلي برائحة الخراف التي يجب أن يمتلكها كل راعي صالح.
هذا السير مع الشعب للمشاركة في مظاهر التقوى الشعبية هو، في خبرة بيرغوليو، في الوقت عينه فعل بشارة ودفع رسولي.


كذلك عُقد مؤتمر أباريسيدا لأساقفة أمريكا اللاتينية الذي وُلِدت منه وثيقة حول التتلمذ والروح الرسولية، وهي ضروريّة لفهم العمل الرعوي للبابا فرنسيس، في مزار مريمي.
هذه الجمعيّة التي عاشها الكاردينال بيرغوليو بشكل مباشر، يتردد صداها في صفحات الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" المكرسة للتقوى الشعبية.
يكتب الحبر الأعظم أن تعبيراته المختلفة "لديها الكثير لتعلمنا إياه، وبالنسبة لمن يستطيع قراءتها، فهي مكان لاهوتي يجب علينا أن ننتبه له".
يحتاج الإيمان إلى رموز ومشاعر، لكي يتشابك مع الحياة المعاشة، وبالتالي لا يمكننا حصره في تمرين فكري.
إن التقوى الشعبية، يكتب البابا فرنسيس "هي جهاز المناعة في الكنيسة".


حول موضوع التقوى الشعبية، كما حول المسائل الأساسية الأخرى، يذكّر الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" بالإرشاد الرسولي للقديس بولس السادس "إعلان الإنجيل".
علاوة على ذلك، فإن البابا مونتيني هو الذي أعطى، منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، زخماً جديداً للتقوى الشعبيّة، و"دافع" عنها من البرودة، وفي بعض الأحيان من الشك أيضًا الذي كان يُنظر به إليها في بعض الأوساط الكاثوليكية.
في الإرشاد الرسولي "إعلان الإنجيل"، الذي جاء بعد سينودس عام ١۹٧٤ الذي خُصِّص للبشارة، خصص البابا مونتيني عددًا كاملاً، العدد ٤٨، لتديُّن الشعب، مشيرًا إلى أنه، في هذا الصدد، "جانب من جوانب البشارة الذي لا يمكننا أن نقف أمامه غير مبالين".
كذلك يحذر الإرشاد الرسولي "إعلان الإنجيل" من بعض التشوهات التي أدت إلى انحسار التقوى الشعبيّة لمنطق الخرافات، لكنه يلاحظ أنّه يجب إعادة اكتشاف التعبير عن التدين كطرق مميزة للبشارة.
ويكتب بولس السادس أن التقوى الشعبية تظهر "تعطشًا لله لا يعرفه إلا البسطاء والفقراء".


طوّر القديس يوحنا بولس الثاني هذا الاكتشاف الجديد للتقوى الشعبية ووضعه بشكل مرئيٍّ أيضًا في محور حبريّته.
إنَّ ابن بولندا الذي، وبفضل التقوى الشعبية وخاصة للعذراء مريم، قاوم الديكتاتوريات النازية ثم الشيوعية، وقد حمل كارول فويتيلا "إلى روما"، في تصرفاته وتعاليمه، هذا البعد الشعبي الجوهري للمسيحية.
فهو يعبر البعد العالمي للكنيسة وفي الوقت عينه عن انثقاف الإنجيل في جماعة وطنية معينة.
وبالتالي أصبحت التقوى الشعبيّة أيضًا جزءًا من أكثر من مائة زيارة رسولية قام بها حول العالم، حيث لم يفوِّت أبدًا فرصة ليقوم بوقفة صلاة في مزار ما أو بلفت الانتباه إلى الجذور الروحية للبلد الذي يزوره.
كذلك يعود على البابا فويتيلا الفضل بنشر دليل التقوى والطقوس الشعبية، في عام ٢٠٠٢، من قبل مجمع العبادة الإلهية.


وبالتالي مع البابا الذي طبع الاستسلام لمريم العذراء في شعاره الأسقفي، يتم التغلب نهائيًا على ازدراء النخبة الذين كانوا يعتبرون التدين الشعبي مظهرًا سطحيًا وغير نقي للإيمان، لأنّ الإيمان المتجذر بعمق في ثقافة محددة، والمنغمس في القلوب والأفكار، والذي يتشاركه على نطاق واسع شعب بأكمله، هو بالنسبة ليوحنا بولس الثاني إيمان شعبي حقيقي وأصيل.
وكما لاحظ الكاردينال البولندي ستانيسلاف ريلكو، رئيس كهنة بازيليك مريم الكبرى، فإن حبرية البابا فويتيلا قد ساهمت في تحرير التدين الشعبي من تسمية البقايا المنقرضة وجعلتها موردًا روحيًّا مميّزًا لكنيسة اليوم أيضًا.


في الإطار عينه، نجد البابا بندكتس السادس عشر، الذي كان بالفعل في لسنوات طويلة عميدًا لمجمع عقيدة الإيمان ينظر بإيجابية إلى تعبيرات التقوى الشعبية.
ويمكننا ملاحظة ذلك أيضًا في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الذي كان جوزيف راتزينغر أحد كاتبيه بأمر من يوحنا بولس الثاني.
بالتأكيد - كما في حالة سلفه البولندي وخليفته الأرجنتيني – فقد أثّرت على هذا الموقف الإيجابي خبرة الطفولة في بافاريا عندما شارك - مع عائلته ولاسيما مع شقيقه غيورغ - في زيارات الحج وغيرها من مظاهر التدين الشعبي.
لذلك ليس من المستغرب أنه بمجرد أن أصبح البابا، شدد في عدة مناسبات على أن "التقوى الشعبية هي إرث عظيم للكنيسة" وأظهر ذلك بشكل ملموس بحجّه إلى العديد من المزارات المريمية في إيطاليا وفي البلدان التي زارها في رحلاته الرسولية الدوليّة الأربع والعشرين.



المصدر : فاتيكان نيوز

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.