HTML مخصص
02 Mar
02Mar

المرأة لمست يسوع روحياً قبل ان تلمسه جسدياً.

صلّت اليه بروحها قبل ان تصلي اليه بيدها.

حاولت المرأة الآ تَظهر بين الناس، لأنها خجلت من مرضها الذي يجعلها في حالة النجاسة بحسب الشريعة.

ويُعلق العلامة أوريجانوس " إنّ الرّب يسوع المسيح الّذي قدّم ذاته قُربانًا هو الأضحية الفريدة والكاملة، التي كانت ترمز إليها جميع الأضاحي في الشريعة القديمة وتمثّلها "كُلُّ مَن مَسَّها يَكونُ مُقَدَّساً"، فالذي يمسّ جسد هذه التقدمة يتقدّس مباشرةً، فإن كان نجسًا، أصبح نقيًا، وإن كان جريحًا التأم جرحه، هذا ما فهمته المرأة النازفة"بدون دواء وبدون كلمة، إنما حصلت على الخلاص بلمس يسوع، ولأنها رأتِ في يسوع قدرة الربّ التي تخلّص البشر.

وليس لمس الثوب هو الذي منح الشفاء للمرأة، بل إيمانها، أي اتصالها الشخصي ولقاؤها بيسوع، ولسان حالها ما ترنم به صاحب المزامير " شَعْبٌ لم أَعرِفْه يَخدُمُني، يَسمَعونَني يُطيعونَني" (مزمور ١٨ / ٤٣-٤٤ ).

يُعلّق القدّيس مار أفرام السرياني "المجد لك، يا ابن الربّ المخفي، لأنّ قوّتك الشافية تُعلَن من خلال الألم المَخفي لامرأة بائسة.

تمكّن الشهود أن يروا الألوهيّة الّتي لا يمكن رؤيتها، من خلال هذه المرأة الّتي كانوا يرونها.

أصبحت الألوهيّة معروفة من خلال قوّة الإبن الشافية.

جُعل إيمان المرأة البائسة ظاهراً من خلال شفاء المرأة البائسة.

وإن كانت المرأة شاهدة على ألوهيّة المسيح، فهو بدوره كان شاهداً على إيمانها.

قد تطلّع إلى إيمانها المَخفي، وأعطاها شفاءً مرئيّاً".

ان هذا الشفاء يدل على ان يسوع يريد للبشرية الحياة، ويريدها وافرة (يوحنا ١٠ / ١٠ ).

ومن هذا المنطلق، قد تمَّ حوار سرّي بين يسوع والمرأة المنزوفة التي شُفيت، وكأن لم يسمعها أحد. الناس لم يعلموا بما حدث، لكن يسوع والمرأة وحدهما علما بذلك، لان المرض كان خفيَّا.

يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام، وتَعافَي مِن عِلَّتِكِ ، تشير عبارة "يا ابنَتي" الى تكلم يسوع بحنان مع المرأة المنزوفة والخائفة، ويُعلق القديس يوحنا فم الذهب " دعاها "ابنة" لأنها خلصت بالإيمان، فإن إيماننا بالمسيح يجعلنا أبناء له"؛ أمَّا عبارة "إِيمانُكِ خَلَّصَكِ" فتشير الى التشديد على الإيمان الذي منحها الشفاء، كما ورد في انجيل متى "إِيمانُكِ أَبرَأَكِ " (متى ٩ / ٢٢ ) حيث ان إيمان المرأة في حد ذاته هو الذي خلصها، لأنه ادخلها في علاقة شخصية مع يسوع المخلص؛ هذا الايمان جعل المرأة المنزوفة تذهب الى يسوع من اجل الشفاء وتثق به.

وهذا الايمان ما هو إلاّ موقف الثقة الذي يرضى به يسوع ولذلك يلبّي طلبها (لوقا ٧ / ٥٠ ).

ولذلك الايمان بالمسيح شرط اساسي للمعجزة.

ألم يقل المسيح إن "كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ للذين يؤمنون ؟" (مرقس ٩ / ٢٣ ).

"إِن كانَ لَكم مِنَ الإِيمانِ قَدْرُ حَبَّةِ خَردَل قُلتُم لِهذا الجَبَل: اِنتَقِلْ مِن هُنا إِلى هُناك، فيَنتَقِل، وما أَعجَزَكُم شيء" (متى ١٧ / ٢٠ ).

أمَّا عبارة " خَلَّصَكِ " فتشير الى قوة إيمان المرأة الذي منحها الخلاص، لأنه أدخلها في صلة مع يسوع، صاحب الخلاص.

فيسوع ينسب شفاء المرأة الى إيمانها.

والايمان ليس مجرد خبرة ذاتية، بل هو يستمد قوته مما يوضع الايمان فيه أي يسوع المسيح.

قصد المسيح بهذه المعجزة شفاءً جسدياً وروحيا.

يجب ألاّ ننظر الى يسوع كشافٍ للأمراض الجسدية فقط، إنما كمُخلّص يشفي من الداخل.

وهذا يفترض أولاً وآخراً الإيمان، الذي هو لقاء وحوار شخصي مع المسيح.

إيمان المرأة خلصها اي شفاها (متى ٢٢ / ٩ ) شفى جسدها وخلّص نفسها.

ما من قوة لأي سر يخلو من الايمان بالمسيح الحَي.

ويُعلق القديس يوحنا فم الذهب "أنها شفيت لا من أجل هدب الثوب في ذاته وإنما من أجل إيمانها".

اما عبار" فَاذهَبي بِسَلام " فتشير الى ثمرة الإيمان هو سلام القلب.

واستعادت الصحة، وبذات الفعل لم تعُدْ مهمّشة ومستبعدة، لا بل بالعكس تحوّلت الى مناديه بعظائم الله أمام الشعب.

أمَّا عبارة "تَعافَي " في الأصل اليوناني (معناها متعافية) فتشير الى الشفاء التي بحثت عنه المرأة.

فالمرأة نالت أكثر مما ما كانت تطلب، إنها نالت شفاء الجسد وخلاص الروح.

ويدل شفاء المرأة المنزوفة على ان الله يريد الحياة للبشر، وحياة اوفر.

وقدرته على الشفاء لا توقفها نجاسة، كما لا يوقفها الموت نفسه.

أين نحن من إيمان المرأة المنزوفة؟

عرف يسوع كثير من الناس، البعض سعى اليه مثل يائيرس والمرأة المنزوفة، أمَّا هو فقد سعى اليهم جميعاً، دون اعتبار لعظمتهم مثل الحاكم الروماني (مرقس 5: 15: 1-15) قائد ديني بارز (يوحنا 3: 1-21) رجل قانون (متى 22: 34-35) ملك (لوقا 23: 23 7-11) قائد مئة روماني (لوقا 7:1-10) او احد رجال الحكومة (يوحنا 4: 46-53) رئيس الكهنة (متى 26: 62-68) نبي (متى 3)، او حقارتهم مثل جابي الضرائب المحتقر (متى 9/9) والابرص المنبوذ (لوقا 17: 11-19) خائن (يوحنا 13: 1-3) رجل مشلول عاجز (مرقس 2: 1-12) او تلميذه يشك فيه (يوحنا 2:24-29) او عدوه يكرهه (أعمال 9: 1-9)؛ سواء كانوا اغنياء مثل الشاب الغني (مرقس 9: 17-27) والرجل الغني (مرقس 10: 17-23)؛ ام فقراء مثل الارملة الفقيرة (لوقا 7: 11-17) والشحاذ الأعمى (مرقس 10: 10: 46) سواء كانوا خطأة مثل المرأة الزانية (8: 1-11) اللص اليمين (لوقا 23: 40-43) ام قديسين مثل الرسل والتلاميذ، فيسوع يهتم بالجميع على حد سواء، وليس احد يخرج عن دائرة لمسة محبته.

ومن هنا نجد ابعاد للمس الروحي: ضد المرض والموت والخطيئة والخوف والعبوديةأنَّ الايمان بالمسيح هو شرط لا بدَّ منه لكل شفاء ومعجزة.

والإيمان حسب نصوص معجزات يسوع هو "لمس يسوع المسيح"، ولمسه يعني ملاقاته، الوثوق به التعرّف اليه شخصيّاً.

وأكد يسوع ان الايمان شفاها، والايمان الحي يقتضي عملا، والايمان الذي لا يتحوَّل الى عمل، ليس إيمانا.

فالإيمان ليس خبرة ذاتية، بل علاقة شخصية مع يسوع.

هو اختبار روحي يبدأ بمغامرة روحية ومُؤسِّسُه ومنفِّذُه هو الله نفسه.

وبعبارة اخرى لمسة المرأة المنزوفة هي لمسة إيمان شخصي ناجم عن شعور عميق بالحاجة والاقتناع بقوة يسوع الشافية.

ايمان لا يعرف الخوف ولا التعب ولا يضع شرطا ولا يتخذ حُجَجاً.

وعليه فان هذه اللمسة تختلف عن لمس الجمع الذين كانوا يزحمون يسوع (مرقس ٥ / ٣١ ).

فإيمان هذه المريضة هو الذي ميَّزها عن الكثيرين غيرها، الذين كانوا مثلها يطلبون الشفاء.

ومجرد لمس هُدْب ثوب المسيح مقروناً بالإِيمان، كان باب الخلاص لها، وقد قال الكتاب: "فالإِيمانُ بِالقَلبِ يُؤَدِّي إِلى البِرّ، والشَّهادةُ بِالفمِ تُؤَدِّي إِلى الخَلاص" (روما ١٠ / ١٠ ).

بينما معاشرة يهوذا الإِسخريوطي للمسيح ومساكنته ثلاث سنين دون إيمان لم تأت بهذه النتيجة، بل زادته دينونة.

دعاء ، أيها الاب السماوي، انت يا من أرسلت ابنك يسوع المسيح الى أرضنا لكي يهتم بحاجاتنا ويحرِّرنا من مخاوفنا التي تمنعنا من الاقتراب منه، دعه يلمس حياتنا بقوّته فنعرف حدودنا ونلجأ اليه ونؤمن بالمستحيل لأنه هو وحده القادر أن يشفينا من أمراضنا ويعيد إلينا الحياة من خلال علاقتنا الشخصية معه على مثال المرأة المنزوفة ويائيرس رئيس المجمع.

وها نحن نستودع ذواتنا وحياتنا بين يديك يا رب، ونؤمن بانك تأخذ بيدنا وتدعونا لنقوم.

وتتحقق فينا كلمتك القدوسة "إيمانُنا خَلّصَنا".آمــــــــــــين.



/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.